1- الأقصى يصرخ، فهلْ مِنْ مجيبٍ؟!
2- ثِقوا بمولاكم، وانصروا أقصاكم
مقدمة:
أيُّ قلوبٍ يحويها أولئك المجرمون؟! وأيُّ جوارحٍ يمتلكها أولئك المفسدون؟! وأيُّ مكرٍ يخطّط به أولئك الضّالّون؟! لن تعرف الرّحمة لقلوبهم طريقًا، ولا اللّين لسلوكهم سبيلًا، ولا الشّفقة لأعمالهم دليلًا.
هكذا كانوا قديمًا، وهكذا عاشوا زمنًا، وهكذا يستمرّون إلى قيام السّاعة.
أيّ مبادئٍ يسيرون عليها؟ وأيّ شيءٍ يُحكِّمون؟ وإلى أيّ هدفٍ يسعَون؟ حتّى أصبحوا يهدمون كلّ قائمٍ، ويلوّثون كلّ طاهرٍ، ويحرقون كلّ أخضرٍ.
إنّهم اليهود الّذين أَشربهم تلمودهم أحقادًا زرقاء، ينفخ فيها أحبار السّوء بوصايا الزّيف مِن التّوراة المحرَّفة، ليتنادوا عليها وكأنّها حقائق ومسلّماتٌ، وهذه طبيعة السّابقين واللّاحقين مِن اليهود المجرمين، قسوةٌ في القلوب كالحجارة وأشدّ، وشَرَهٌ في النّفوس، وأكل سُحتٍ، وفساد مُعتقدٍ، وبغيٌ في الأرض، وتطاولٌ على الخلق، وعلى ربِّ الخلق جل جلاله.
إنّ البغي الّذي يحصل اليوم مِن أنذال بني صهيون ومكرهم وحقدهم، وجرأتهم على المقدّسات، وسفكٍ لدماء الأبرياء، وحربٍ على المسجد الأقصى ومَن حوله، ما هو إلّا امتدادٌ لظلمٍ وطغيانٍ سابقٍ، ناتجٍ عن شدّة عداوتهم للمسلمين، قال تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [المائدة: 82].
وإنّها لعداوةٌ تشهد بِخسَّتها القرون الغابرة، وتؤكّدها القرون اللّاحقة، فتُوقظ القلوب الغافلة، وتُحيي الضّمائر السّاكنة، ليتنبّهوا إلى واجبهم المنوط بأعناقهم، تجاه إخوانهم ومقدّساتهم.
1- الأقصى يصرخ، فهلْ مِنْ مجيبٍ؟!
المسجد الأقصى مِن أولى المقدّسات الإسلاميّة، وكيف لا! وهو أُولى القبلتين، وثالث الحرمين الشّريفين، ومسرى حبيبنا محمّد صلى الله عليه وسلم، بناه أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام.
الأقصى في أرض فلسطين، الّتي عاش عليها إبراهيم وإسحاق ويعقوب ويوسف ويحيى وغيرهم.
إنّها فلسطين، أرض المحشر والمنشر، عَنْ مَيْمُونَةَ، مَوْلَاةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَقَالَ: (أَرْضُ الْمَنْشَرِ، وَالْمَحْشَرِ ائْتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ).
إنّها فلسطين، فيها مصرع الدّجّال ومقتله، عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ، قَالَ: "ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ... فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ، فَيَقْتُلُهُ".
إنّها مِن الشّام المباركة، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ صلى الله عليه وسلم: (اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا، وَفِي يَمَنِنَا).
مِن أجلها شمَخَ صلاح الدّين برأسه، وأعدَّ عدّته ليحرّر الأقصى، وقد نصره الله سبحانه.
نذكر اليوم فلسطين والقدس، والقلبُ يعصرهُ الألم، عندما نرى الاعتداء السّافر على المسجد الأقصى وأهله، مِن الصّهاينة المجرمين، وقد سبقه اعتداءاتٌ كثيرةٌ منذ الاحتلال، هدفها النّهائي هدم مسجد المسلمين، الّذي صلّى فيه كلّ الأنبياء، وتحويله إلى هيكلٍ يهوديٍّ، ومعبدٍ شركيٍّ.
اليوم -للأسف- بُحَّتْ أصوات المستغيثين، وكثير مَن يَتصاممُ عن نداء إخواننا الفلسطينيّين، وكان مِن الواجب علينا أن تُحرِّك هذه الاستغاثات عزائمنا إلى نصرة ديننا ومسجدنا، فإنّ اليهود الغاصبين منذ زمنٍ بعيدٍ إلى يومنا هذا، وهم يُدنّسون الأقصى بأقدامهم، ويسومون المصلّين فيه سوء العذاب، فكمْ سالت فيه دماءٌ؟! وأُزهقت فيه أرواحٌ! وتناثرت بين جدرانه أجساد الشّهداء مِن الرّاكعين والسّاجدين والعاكفين! ولقد تَجدّد حقدهم قبل أيّامٍ، حيث نقلت لنا وسائل الإعلام صورهم الّتي تُدمِع العين، وتُحزن القلب، وتجعله يعتصر ألمًا وكمدًا.
يَحدث ذلك كلّه على مرأىً ومسمعٍ مِن المسلمين في كافّة بقاع الأرض، ولكن لا سميع ولا مجيب، فالمسلمون فقدوا هيبتهم؛ فطمع فيهم عدوّهم، وسلّط الله عليهم مَن يُذيقهم سوء العذاب، والذّلة والهوان، عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الْأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا) قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: (أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنْ تَكُونُونَ غُثَاءً كَغُثَاءِ السَّيْلِ، تُنْتَزَعُ الْمَهَابَةُ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ، وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ)، قَالَ: قُلْنَا: وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: (حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ).
واليوم: حدث ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبدلًا مِن الدّفاع عن المقدّسات، اكتفى المسلمون -إلّا مَن رحم ربّك- بعبارات الشّجب والإدانة، والأقوال دون الأفعال، والمؤتمرات والنّدوات.
لقد أصبح المسلمون أممًا شتّى، وجماعاتٍ ودُويلاتٍ متناثرةً، تفرّقت كلّمتهم، وضعفتْ شوكتهم، وقستْ قلوبهم، قال عز وجل: {فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [الرّوم: 32].
فأيّ هوانٍ وذلٍّ بعد هذا؟! فهل يتحرّك القلب الغافل والضّمير السّاكن، أم أنّ الأمر كما قال القائل:
وامُعتصماه ما عادت نداءً يُحرّك ساكنًا ويشقّ صدرًا
2- ثِقوا بمولاكم، وانصروا أقصاكم
أدواءٌ عظيمةٌ، وفتنٌ كبيرةٌ، ومحنٌ عظيمةٌ، أصابت المسلمين في مقاتلهم، فطاشت بها عقولهم، وأصابت الكثير منهم باليأس والقنوط، ولكن عند تعاظم الفتن، واستحكام المحن، وازدياد الشّرور، وتسلّط اليهود المجرمين، لا يثبت إلّا مَن يثبّته الله مِن أفذاذ الرّجال، قال جل جلاله: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [إبراهيم: 28].
ويوم أن ارتدّ المرتدّون بعد وفاة النّبيّ صلى الله عليه وسلم، كان للصّدّيق الدّور الكبير في تثبيت الأمّة بثباته، وإنّ المسلمين إزاء هذه الأحوال المتردّية، واعتداءات الصّهاينة الماكرة، أحوج ما يكونون إلى استحضار هدي النّبيّ في ذلك، فقد أُوذي هو وأصحابه، وهُجّروا مِن ديارهم، وخَطّط له اليهود لقتله أكثر مِن مرّةٍ، فما وهنوا وما ضعفوا، بل ازدادوا إيمانًا ويقينًا وتفاؤلًا وثباتًا.
حين نرى الآلام تزداد، فإنّنا نجدّد العزم والآمال، فقد كانت النَّكبات لأمّتنا -ولازالت- تنبيهًا مِن الغفلات، وتجديدًا للعزمات، واستدراكًا للتّراجعات، والواجب على كلّ مسلمٍ اليوم: أن ينتصر للمسجد الأقصى ومَن حوله مِن إخوانه المسلمين، بما يُطيق ويستطيع، بالنّفس أو بالمال، أو حتّى بالكلمة والدّعاء.
الجهاد والدّفع واجبٌ لتحرير الأقصى، بل وكلّ شبرٍ مُغتَصبٍ مِن أرض المسلمين، ولن تُرجِعَ الأرض المغتصبَة مؤتمراتٌ وندواتٌ، بل لا يكون ذلك إلّا بالجهاد في سبيل الله عز وجل، والاستجابة لأمر الله سبحانه، والنّصر لدينه، قال تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحجّ: 39-41].
هؤلاء الموعودون بالنّصر، وهم المؤهّلون لأن يُخرجوا اليهود المغتصبين أذلّةً صاغرين، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الدِّينِ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ)، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: (بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ).
هؤلاء هم أهل النّصر، وليس أولياء اليهود، وأتباع الشّيطان، الّذين باعوا دينهم، ووطنهم، ومقدّساتهم، بثمنٍ بخسٍ، يتذلّلون للصّهاينة الحاقدين، لاستجدائهم، ونيل رضاهم.
خاتمةٌ:
إنّ الدّفاع عن المسجد الأقصى مِنْ أولى واجباتنا المنوطة بأعناقنا، بقدر الطّاقة والاستطاعة، فعلينا القيام بهذا الواجب، في الوقت الّذي ينبغي أن ندرك فيه: أن تغلّب هذه الشّرذمة المرذولة، والفئة المخذولة؛ مِن اليهود السّفلة، وتسلّطهم على المسلمين ومقدّساتهم، إنّما هو بسبب تفرّق المسلمين، وابتعاد الكثير منهم عن دينهم العظيم، الّذي هو سبب عزّهم وفلاحهم ورفعتهم في الدّنيا والآخرة، فإن أردنا عزّنا ومجدنا كما كان أسلافنا، فلا بدّ مِن عودةٍ صادقةٍ، وأوبةٍ حميدةٍ، فيها تصحيحٌ للإيمان، وقيامٌ بطاعة الرّحمن، وبُعدٌ عن الفسوق والعصيان، واعتصامٌ بحبل الكريم المنّان، وطردٌ لوسواس الشّيطان.
إنّ ما يخيّل لبعض المسلمين اليوم من هيبة اليهود، وقوّتهم واجتماع كلمتهم، سيكون هباءً لا قيمة له، إذا عاد المسلمون إلى كتاب ربّهم، والتزموا شريعته، فعندئذٍ سيزول السّراب الخادع، وتذهب الغشاوة عن العيون، ويتبيّن أنّ تجمّعهم في الظّاهر فقط، قال تعالى: {لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ} [الحشر: 14].
فلنحاسبْ أنفسنا، ولنتبْ إلى ربّنا، ولنستمسكْ بحبل خالقنا، ولنقدّم ما نستطيع لنصرة إخواننا، والدّفاع عن مقدّساتنا.