1- نورٌ يحفد إليه المؤمن
2- أسوةٌ حسنةٌ
3- خطر القراءة
مقدمة:
مع دخول شهر رمضان ترى المسلمين يهرعون إلى كتاب الله عز وجل، يقرؤون منه ما يقرؤون، ويختمون ما يختمون، ويجتهدون فيه اجتهادًا لم يسبق لهم قبل دخول هذا الشّهر، فما سرّ ارتباط الشّهر الفضيل بالقرآن الكريم؟ لقد نصّ القرآن على هذا الارتباط {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 185].
فقد اختار الله سبحانه هذا الشّهر ظرفًا لإنزال كلامه على نبيّه صلى الله عليه وسلم، {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1].
{حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ} [الدّخان: 1-3].
خلا نبيّنا صلى الله عليه وسلم بربّه سبحانه في هذا الشّهر، يتفكّر في آيات الله عز وجل المنظورة في الكون، فأكرمه الله جل جلاله فيه بآياته المقروءة في القرآن: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1-5].
فقرأ نبيّنا صلى الله عليه وسلم وأكرمه ربّه الأكرم جل جلاله، وما زال المؤمنون يقرؤون مِن بعده، وما زال كرم ربّنا ولا انقطع.
1- نورٌ يحفد إليه المؤمن
يحتاج المؤمن في شهر رمضان وغيره إلى نورٍ مِن الله سبحانه، ينوّر بصيرته، يمشي به في مدلهمّات طرق الحياة، فالشّهوات والشّبهات ما تفتأ تقطع على المرء طريقه إلى الله عز وجل، لكنّ النّور الّذي يُرشده حاضرٌ دائمًا {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 122].
وقد حثّنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرةٍ على تلاوة القرآن مطلقًا، في هذا الشّهر وسواه، حَدَّثَ أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: (اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ، اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ، وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ، فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ، تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا، اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ)
وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ فِي الصُّفَّةِ، فَقَالَ: (أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَغْدُوَ كُلَّ يَوْمٍ إِلَى بُطْحَانَ، أَوْ إِلَى الْعَقِيقِ، فَيَأْتِيَ مِنْهُ بِنَاقَتَيْنِ كَوْمَاوَيْنِ فِي غَيْرِ إِثْمٍ، وَلَا قَطْعِ رَحِمٍ؟)، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ نُحِبُّ ذَلِكَ، قَالَ: (أَفَلَا يَغْدُو أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَيَعْلَمُ، أَوْ يَقْرَأُ آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ نَاقَتَيْنِ، وَثَلَاثٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلَاثٍ، وَأَرْبَعٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَرْبَعٍ، وَمِنْ أَعْدَادِهِنَّ مِنَ الْإِبِلِ)
فتأمّل في هذا الفضل العظيم الّذي رتّبه النّبيّ صلى الله عليه وسلم على قراءة الآية والآيتين.
وقد يقول امرؤٌ: إنّ قراءة القرآن شاقّةٌ عليه، لعدم مهارته في قراءة القرآن، فيجيبه الحديث عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ، لَهُ أَجْرَانِ).
تتنزّل السّكينة للقرآن ولا نراها، لكنّ الله سبحانه أكرم أحد أصحاب نبيّه صلى الله عليه وسلم بكرامةٍ؛ أن أظهر له السّكينة، فعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ رضي الله عنه، يَقُولُ: قَرَأَ رَجُلٌ الْكَهْفَ، وَفِي الدَّارِ دَابَّةٌ فَجَعَلَتْ تَنْفِرُ، فَنَظَرَ فَإِذَا ضَبَابَةٌ، أَوْ سَحَابَةٌ قَدْ غَشِيَتْهُ، قَالَ: فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: (اقْرَأْ فُلَانُ، فَإِنَّهَا السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ عِنْدَ الْقُرْآنِ، أَوْ تَنَزَّلَتْ لِلْقُرْآنِ).
2- أسوةٌ حسنةٌ
أكرم الله جل جلاله نبيّنا صلى الله عليه وسلم بالقرآن وامتنّ عليه به، {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} [الضحى: 6-7].
{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ} [الشّورى: 52-53].
فشكر نبيّنا صلى الله عليه وسلم لربّه عز وجل هذه المنّة، وليس شكر النّبيّ صلى الله عليه وسلم ما يكون باللّسان فحسب، بل بأن ينصب إذا فرغ {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشّرح: 7- 8].
وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، إِذَا صَلَّى قَامَ حَتَّى تَفَطَّرَ رِجْلَاهُ، قَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَتَصْنَعُ هَذَا، وَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، فَقَالَ: (يَا عَائِشَةُ أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا).
وعَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه، قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ، ثُمَّ مَضَى، فَقُلْتُ: يُصَلِّي بِهَا فِي رَكْعَةٍ، فَمَضَى، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ بِهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ، فَقَرَأَهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ، فَقَرَأَهَا، يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا، إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ، وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ، وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ، ثُمَّ رَكَعَ، فَجَعَلَ يَقُولُ: (سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ)، فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ، ثُمَّ قَالَ: (سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ)، ثُمَّ قَامَ طَوِيلًا قَرِيبًا مِمَّا رَكَعَ، ثُمَّ سَجَدَ، فَقَالَ: (سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى)، فَكَانَ سُجُودُهُ قَرِيبًا مِنْ قِيَامِهِ. قَالَ: وَفِي حَدِيثِ جَرِيرٍ مِنَ الزِّيَادَةِ، فَقَالَ: (سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ).
وكان يحب أن يسمع القرآن، فيتأثّرُ به بالغ التّأثّر، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (اقْرَأْ عَلَيَّ)، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، آقْرَأُ عَلَيْكَ، وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ، قَالَ: (نَعَمْ)، فَقَرَأْتُ سُورَةَ النِّسَاءِ حَتَّى أَتَيْتُ إِلَى هَذِهِ الآيَةِ: ؟{فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ * وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيدًا}، قَالَ: (حَسْبُكَ الآنَ)، فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ، فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم أسوتنا الحسنة، فبهداه اقتده.
3- خطر القراءة
القرآن كلمة الله عز وجل للبشر، وفضل كلام الله سبحانه على سائر الكلام كفضل الله جل جلاله على المتكلّمين، وممّا يحسن تصحيحه مِن المفاهيم حيال القراءة في رمضان أن نوجّه العناية إلى فهم كتاب الله سبحانه، ففي المسلمين اليوم مَن يحصي الأجزاء والختمات، لكنّه لا يعتني بفهم كلّ ما يقرأ، فمِن مقاصد إنزال القرآن أن يتعرّف المرء إلى خالقه، إذ ربّنا سبحانه غيبٌ لم نره، لكنّ الوصول إلى صفاته يكون عبر قراءة ما وصف به نفسه في كتابه، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه، أَنَّ المُشْرِكِينَ قَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: انْسُبْ لَنَا رَبَّكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ}، وفي المسلمين اليوم مَن يقرأ ما وصف الله سبحانه به نفسه ولا يدري المعنى، فما معنى الصّمد؟ وقال تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [المائدة: 103].
والمسلمون اليوم يقرؤون هذه الآية، لكن كم منهم مَن يعلم معنى البحيرة والسّائبة والوصيلة والحامي؟ ويستعيذ المسلمون {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} [الفلق: 2-3].
وفيهم مَن لا يدري معنى ما يستعيذ منه، وما النّسيء الذي هو زيادةٌ في الكفر؟ وما معنى يَفْرَقُون؟ لذا مِن تمام العناية بكلام الله عز وجل في هذا الشّهر الفضيل أن نسعى في فهم ما نقرأ، وأقلّه أن نقرأ مِن مصحفٍ في هامشه شرح غريب القرآن، على أنّ علوم القرآن بحرٌ لا ساحل له، فمن أراد التّوسّع فأسباب النّزول وتناسب المقاطع والسّور وكتب التّفسير ووجوه بلاغة القرآن وإعجازه ميدانٌ فسيحٌ لمن شاء.
رسالةٌ مِن طبيبٍ إلى مريضه، فيها وصفٌ للمرض وللعلاج، وصلت المريض فتناولها بمنتهى الأدب والتّواضع، وقبّلها، وعطّرها، وقرأها ثمّ رفعها إلى عالي الرّفوف تكريمًا، سألنا المريض: ماذا فهمت مِن الرسالة؟ قال: هي على الحقيقة مكتوبةٌ بلغةٍ علميّةٍ طبيّةٍ، لكننّي أعتني بها لأنّها مِن طبيبي الخاصّ، هل ترون أنّ هذا المريض انتفع مِن هذه الرّسالة؟ نحن مرضى، والقرآن شفاؤنا {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} [الإسراء: 82].
فالقرآن شفاءٌ للأمراض المادّيّة؛ إذ هو رقيةٌ يُتداوى به، وهو شفاءٌ للنّفوس مِن القلق، وللقلب مِن الشّهوات، وللعقل مِن الشّبهات، ولا يتمّ الاستشفاء به إلّا إذا فهمناه وعملنا بما فيه، والخطر هنا أنّ القرآن ذات القرآن شفاءٌ للمؤمن، لكنّه لا يزيد الظّالم إلا خسارًا، فعَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ).
خاتِمةٌ:
في شهر رمضان تصفو الرّوح، ويتخلّص القلب مِن أكداره ورانه، ويكون مستعدًّا لاستقبال النّور الّذي في القرآن {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النّور: 40].
وقد كان أوّل أمرٍ بالقراءة في رمضان، فاعتنى نبيّنا صلى الله عليه وسلم بالقرآن في رمضان فائض العناية، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه، قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ"
فتأمّل جلسة مدارسةٍ -طرفاها أفضل البشر على الإطلاق، وأفضل الملائكة على الإطلاق، وموضوعها أفضل كلامٍ على الإطلاق- في أيّ زمنٍ كانت؟ في الشّهر الفضيل، ولنتنبّه إلى المدارسة، فهي أمرٌ فوق مجرّد التّلاوة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ).
وقد اجتمع القرآن والصّيام شافعَين، في الحديث عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: (الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ، مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ، قَالَ: فَيُشَفَّعَانِ).
إنّ إقبال المسلمين اليوم إلى كتاب الله عز وجل بشوقٍ ونهمٍ أمرٌ جديرٌ بالثّناء والتّشجيع، لكنّ الاقتصار على التّلاوة فيه خطرٌ، فالقرآن حجّة لنا أو علينا، لذا هذه دعوةٌ إلى أن نجمع إلى التّلاوة الفهم والتّدبر والمدارسة، فنتعرّف إلى ربّنا الأحد الصّمد، ونصل إلى الثّمرة الأهمّ؛ وهي العمل والتّخلّق بالقرآن، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها، فَقُلْتُ: أَخْبِرِينِي عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ؟ فَقَالَتْ: "كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ"