السبت 11 شوّال 1445 هـ الموافق 20 أبريل 2024 م
لا نميل عن مِلَّة الخليل
الثلاثاء 13 ذو الحجة 1443 هـ الموافق 12 يوليو 2022 م
عدد الزيارات : 1159
لا نميل عن مِلَّة الخليل
عناصر المادة
1- تضحية الخليل
2- وظيفة التّفكُّر والشُّكر
مقدمة:
جعل الله سبحانه للأضحية زمنًا محددًا، وهو أيّام التّشريق والنّحر مِن بعد صلاة العيد، فمن أهداها قبل فهي محض لحمٍ؛ عَنِ ‌الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا يَذْبَحُ لِنَفْسِهِ، وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ). صحيح البخاريّ: 5556
ومَن ذبح بعد انتهاء الوقت فكذلك لا تكون أضحيةً، وهذا فيه وجوب الانتظام بالشّرع وما فيه مِن حدودٍ، لكنّ الفكرة الّتي نتعلّمها مِن الأضحية تظلّ ماثلةً أمام أعيننا طيلة العام، فنلزم أنفسنا بالقيم الّتي تعلّمناها مِن الأضحية، ومِنها: أن نحسن إلى الفقراء فلا ننساهم {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحجّ: 36].
ومنها: أن نعيش على ملّة الخليل إبراهيم في سائر شأنه، لئن اقتدينا به في جانب الأضحية يوم العيد، فقد لزمَنا أن نسير على سنته في سائر الأمور {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ ‌مِلَّةِ ‌إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 130-133]. 
1- تضحية الخليل
إنّ قصّة الخليل مع ابنه الذّبيح مِن أعجب القصص، إذ لا يتصوّر المرء أن يضجع الأب ابنه الأحبّ إلى قلبه، الّذي رُزق به بعد تقدّمٍ في العمر، وانتظار للذّرّيّة، والولدُ والحال هذه يزداد حبّه في القلب، إضافةً إلى الحبّ المعهود مِن الآباء لأبنائهم {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي ‌أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصّافّات: 100-102].
ولا ينقضي عجبك مِن موقف الأب، حتّى يطالعك موقفٌ أعجب للابن، إذ يسلّم أمره لله جل جلاله بالغ التّسليم، ويستسلم كلّ الاستسلام، وهذا هو جوهر الإسلام، أن يستسلم المرء لأمر ربّه مهما بدا صعبًا وشاقًّا، فمرضاة الله عز وجل مقدّمةٌ على مرضاة نفوسنا، وبهذا تظهر حقيقة طاعتنا لله سبحانه، أمّا ألّا نطيع الله إلّا فيما يوافق أهواءنا؛ كأن نأكل اللّحم يوم الأضحى، ثم نعصيه إذ ينقضي العيد، فهذا ربّما يُظهر أنّنا إذ أكلنا اللّحم أكلناه طاعةً لأنفسنا لا طاعةً لربّنا جل جلاله، إذ فشلنا في اختبار ما بعد العيد.
{فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ} [الصّافّات: 103-108].
وهنا تظهر العجيبة الأخرى أن يفدي الله سبحانه الذّبيح بالذّبح العظيم، ويجعلها الله سنّةً في المسلمين مِن بعده، فيكبّرون ويسمّون الله ويضحّون، ويتذكّرون تضحية الخليل وابنه {سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ * وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ * وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ} [الصّافّات: 109-113].
فتأمّل كيف أكرم الله سبحانه خليله بعد أن جاد لربّه بابنه، أن حفظه له، ثمّ أنعم عليه بسواه، فكانت ذرّيّته أنبياء، فهذا سيّد الخلق صلى الله عليه وسلم مِن نسل إسماعيل الذّبيح، وأنبياء بني إسرائيل مِن نسل إسحاق الّذي بُشر به لاحقًا، فمَن ضحّى لله سبحانه، أكرمه وأخلف عليه خيرًا، وقد رأينا في ثورتنا مَن مشى على سنّة الخليل فقدّم أبناءه لله جل جلاله وفي سبيل الله، ورأينا مَن مشى على سنّة إسماعيل مِن الشّباب، إذ جاءهم أمر الله أن يقدّموا أنفسهم، فسلّموا لله تسليمًا، {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى ‌نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ} [الأحزاب: 23].
أمّا الأب الّذي دفعه الخوف على ابنه أن منعه مِن خوض المعارك، مع علمه بأحقّيّتها فلم يسر على سنّة الخليل، إنّه وإن ضحّى يوم العيد بكبشٍ أقرن، لكن فاته أن يضحّي التّضحية الأعظم، {قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا ‌مِلَّةَ ‌إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [آل عمران: 95].
2- وظيفة التّفكُّر والشُّكر
انقضت أيّام الأكل والشّرب، لكنّ وظيفةً للمؤمن لا تنقضي، وهي وظيفة التّأمّل والتّفكّر كلّما رُفع إليه طعامٌ، {‌فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا * مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ} [عبس: 24-32].
الأمر بالنّظر هنا أمرٌ بالتّفكّر، لا نظر البصر؛ بل نظر البصيرة، وإلّا لكان الأعمى اّلذي استُفتحت به هذه السّورة غير معنيٍّ بهذا الخطاب، فإذا قُدّمت إليك حبّة زيتونٍ في المائدة فأطلق ذهنك في الطّريق الطّويل الّذي سلكَته، حتّى وصلت إلى مائدتك، صُبّ الماء صبًّا، وشُقّت الأرض شقًّا، وخرجت شجرةٌ عُمّرت سنين طويلةً، وفي كلّ سنةٍ تنتج للنّاس ما يعجزون عن صنعه، {يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ ‌زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} [النّور: 35].
إنّنا إذ ندفع المال لنشتري الطّعام لا ندفع ثمنه، وإنّما ندفع ثمن أتعاب حصول المزارع عليه، وخزن التّاجر له ونقله، أمّا حبّة الزيتون فأعقد وأغلى مِن أن يمكن للمرء أن يدفع مقابلًا لها، لأنّه يعجز عن صنعها.
وقد أُمرنا بالتّفكّر في غير موضعٍ في كتاب الله عز وجل {‌فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ * إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ} [الطّارق: 5-8].
فهنا أمرً بالتّفكر في خلقنا لإثبات البعث بعد الموت {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا ‌فِي ‌الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [فصلت: 53].
{أَفَلَا ‌يَنْظُرُونَ ‌إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} [الغاشية: 17-20].
{قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ ‌فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} [آل عمران: 137].
{قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ‌فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [العنكبوت: 20].
وإنّ هذا التّفكّر فيما يقع تحت أيدينا ممّا نرى أو نسمع أو نحسّ هو الّذي يميّزنا عن سائر خلق الله جل جلاله، ألا ترى أنّ الآية السّابقة تعرّض بمن اقتصر مِن الطّعام على سدّ جوعه أن أشبه الأنعام {‌مَتَاعًا ‌لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ} [عبس: 32]. 
أمّا العاقل فهو الّذي يجمع إلى الأكل والشّرب أن يتفكّر فيما رزقه الله، فيرتفع بذلك عن مشابهة الأنعام، وهذا النّظر يقتضي الشّكر، والشّكر ملّة الخليل.
خاتِمةٌ:
أمرنا الله أن نتّبع سنّة الخليل {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ ‌مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [البقرة: 135].
{وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ ‌مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النّساء: 125].
{قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا ‌مِلَّةَ ‌إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام: 161].
{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ ‌مِلَّةَ ‌إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النّحل: 120-123].
وفي هذه الآية نصٌّ على أنّ الخليل شاكرٌ لأنعم ربّه، فإذا انقضى زمن سنّة الأضحية، فإنّ زمن الشّكر والاستسلام والتّضحية والإحسان إلى الفقراء لا ينقضي، وتأمّل بم خُتمت سورة الحجّ الّتي تدعونا إلى الحجّ وذبح النّسك {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ‌مِلَّةَ ‌أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} [الحجّ: 78].
1 - صحيح البخاريّ: 5556
دور الخطباء في سوريا ؟!
دور فعال ومؤثر (صوتأ 114) 80%
غير فعال (صوتأ 27) 19%
لا أدري (صوتأ 2) 1%
تاريخ البداية : 26 ديسمبر 2013 م عدد الأصوات الكلي : 143