1- فضل العِلم وخطر الجهل
2- همسةٌ في أُذُن المعلِّمين
3- بين الماضي والحاضر والمستقبل
مقدمة:
إنّ مَن يتأمّل العالم مِن حوله، ويتفكّر فيما وصل إليه -مِن قوّةٍ وتقدّمٍ، وحضارةٍ ورقيٍّ- يعلم عِلَم اليقين أنّ سُلّم الوصول للعلياء والقِمم هو العلم، فبِهِ تنهض الأمم، وبضدّه تتأخّر، ونحن على أبواب عامٍ دراسيٍّ جديدٍ، ستفتح المدارس لنا أبوابها في الغد القريب، وستزدحم طرقاتنا بأفلاذ أكبادنا متوجّهين إلى مدارسهم، فبالأمس غربت شمس عامٍ دراسيٍّ راحلٍ، وغدًا ستشرق شمس بداية عامٍ دراسيٍّ آتٍ، وهكذا تمضي السّنون والأيام، وجديرٌ بنا أن نكون مستعدّين لاستقبال أوّل أيّام الدّراسة، وذلك بأن نتأمّل المكانة العالية الّتي أولاها ربّنا سبحانه لأهل العلم؛ حيث قال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11].
فإذا تأمّلنا ذلك تغلّبنا على المصاعب والعقبات الّتي قد تعترضنا في سلوك طريق أولي العقول النّيّرة، الّذين فضّلهم الله جل جلاله على غيرهم؛ فقال عز وجل: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزّمر: 9].
فبالعلم يُعبَد الله جل جلاله على بصيرةٍ، وتُقاد الأمّة إلى المعالي، وتُوقد لها شعلة الحضارات، ولقد نبّهنا الله سبحانه إلى فضل العلم والتّعلّم، فكانت كلمة الوحي الأولى الّتي أنزلها على رسوله صلى الله عليه وسلم آمرًا بها بالقراءة والتّعلّم؛ فقال تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1-5].
فهل أدركنا سرّ هذا الافتتاح القرآنيّ والتّوجيه الرّبانيّ؟ ولقد ذكر جل جلاله مِن فضله على رسوله صلى الله عليه وسلم فقال: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النّساء: 113].
وهكذا أكرم الله سبحانه باقي الأنبياء والرّسل الكرام بنعمة العلم؛ فقال عن داوود وسليمان: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا} [النّمل: 15].
وبيّن إبراهيم عليه السلام لأبيه بأنّ الله عز وجل قد أكرمه بالعلم؛ فقال تعالى: {يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ} [مريم: 43].
فبالعلم نرتقي، وبالجهل نهوي.
1- فضل العِلم وخطر الجهل
لقد أعطى الدِّين الحنيف للعلم منزلةً عاليةً لا تضاهيها منزلةٌ، وليس أدلّ على فضل العلم ورفعة أهله عند الله عز وجل مِن أنّ قرنهم بذاته العليّة، وملائكته في الإشهاد على أعظم مشهودٍ وأصدقه، وهو توحيده؛ فقال تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ} [آل عمران: 18].
وجعل العلماء أهل خشيته وتقواه؛ فقال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28].
ويكفي في فضل العلم أنّ الله عز وجل لم يأمر نبيّه صلى الله عليه وسلم بطلب الاستزادة مِن شيءٍ إلّا الازدياد مِن العلم؛ فقال تعالى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114].
وأمره بتبليغ الدّعوة والإعراض عن الجاهلين؛ فقال: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199].
وطلب مِن نوحٍ اجتنابهم؛ فقال له: {فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [هود: 46].
فلقد نوّهت الآيات السّابقة وغيرها بأهمّيّة العلم، وأشعلت الحرب على الأمّيّة الغافلة، لما تجرّه على الأمّة مِن مصائب، ولا عجب في كثرة الآيات الّتي تحثّ على العلم والتّعلّم، لأنّه لا سبيل إلى عبادة الله تعز وجل إلّا بتعلّم كتابه وسنّة رسوله صلى الله، وأنّى للجاهلين أن يعبدوا ربّهم كما شرع رسوله صلى الله عليه وسلم، فالجاهل بمنزلة الأعمى الّذي لا يبصر، قال تعالى: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الرّعد: 19].
فالجاهلون يضيّعون أوقاتهم فيما لا طائل منه، ولِشرَف العلم فإنّ كلّ النّاس يحبّون الانتساب إليه -وإن كان بعضهم ليس مِن أهله- ويتبرّؤون مِن الجهل -وإن كان أكثرهم مِن أهله- ولقد جاءت السّنّة المطهّرة -أيضًا- تحثّ على أخذ العلم، وترغّب في طلبه بصدقٍ وإخلاصٍ، حيث جعلته طريقًا يُوصل العبد إلى الجنّة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ).
فمَن وفّقه الله لعلمٍ نافعٍ وعمل به، نال رضا الله سبحانه في حياته وبعد موته، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَه).
2- همسةٌ في أُذُن المعلِّمين
إنّ المعلّمين هم حُماة الثّغور، ومربّو الأجيال، وسُقاة الغرس، وعُمّار المدارس، المستحقّون لأجر الجهاد وشكر العباد، والثّواب يوم المعاد، ولكنّ الحديث عنهم ذو شجونٍ، فلهم همومٌ وشؤونٌ، ولهم آمالٌ وآلامٌ، وعليهم واجباتٌ وتبعاتٌ، حيث إنّ للعلم شأنًا جللًا، وفضلًا عظيمًا، ومكانةً سامقةً، فيحسن بالمعلّمين أن يستحضروا هذا المعنى، ويضعوه نصب أعينهم، وفي سويداء قلوبهم، فما يقدّمونه في سبيل العلم يُعلي ذِكرهم، ويزكّي علومهم، ويعود بالنّفع عليهم وعلى أمّتهم، فهم يقتدون بسيّد العالمين.
عَنْ كَثِيرِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ أَبِي الدَّرْدَاءِ، فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَجَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ: إِنِّي جِئْتُكَ مِنْ مَدِينَةِ الرَّسُولِ لِحَدِيثٍ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُحَدِّثُهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ، مَا جِئْتُ لِحَاجَةٍ، قَالَ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ، وَمَنْ فِي الْأَرْضِ، وَالْحِيتَانُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ، كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا، وَلَا دِرْهَمًا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ).
فاستحقّوا بذلك الشّرف والعزّ، والقُرْب والمهابة، فالمعلّم مأجورٌ على تعليمه، فإذا فهم المتعلّم وانتفع به بنفسه أو نفع به غيره، كان الأجر جاريًا للمعلّم مادام النّفع متسلسلًا متّصلًا، وهذه تجارةٌ بمثلها يتنافس المتنافسون، فعلى المعلّم أن يسعى سعيًا شديدًا في إيجاد هذه التّجارة، فهي في عمله وآثار عمله، ولكنّ مسؤولية التّعليم عظيمةٌ، والأمانة الملقاة على عاتق أهله كبيرةٌ، فما مهمّة المعلّمين بيسرةٍ، ولا مهنتهم بسهلةٍ، فلقد تحمّلوا الأمانة وهي ثقيلةٌ، واستحقّوا الإرث وهو ذو تبعاتٍ، ويُنتظر منهم ما ينتظره المدلج في الظّلام مِن تباشير الصّبح، فإنّ الأمّة ترجو أن يُبنى بهم جيلٌ قويّ البُنية، شديد العزائم، سديد الآراء، متين العلم، متماسك الأجزاء، ولا يُقال هذا الكلام تهويلًا ،وإنّما يقال ترويضًا، فمَن وطّن نفسه على المكروه هانت عليه الشّدائد، ووجد كلّ شيءٍ باسمًا جميلًا محبوبًا، فالمعلّمون عاملون، ومسؤولون عن أعمالهم، ومجزيّون عنها مِن الله جل جلاله ومِن الأمّة، فإن أحسنوا أحسنوا لأنفسهم ولهم مِن الله فضلٌ جزيلٌ، ومِن التّاريخ والأمّة ثناءٌ جميلٌ، وإن قصّروا فقد أساؤوا لأنفسهم، وإنّ لما يبوء به المقصّرون مِن النّدامة والمرارة ما يحلو معه بخع النّفوس، وإتلاف المهج.
3- بين الماضي والحاضر والمستقبل
إنّ الوقت الّذي يعيش به الإنسان مُقسّمٌ إلى ماضٍ وحاضرٍ ومستقبلٍ، والنّاس في علاقتهم بالزّمن أو الوقت في أجزائه هذه ثلاثة أصنافٍ، يقفون عادةً بين طرفي الإفراط والتّفريط، وهناك المعتدلون المتوازنون الّذين يعطون لكلٍّ منها حقّه، بلا طغيانٍ ولا إخسارٍ، وقليلٌ ما هم، فكثيرٌ مِن المتعلّقين بالماضي لا يكادون يعرفون مِن الزّمن إلّا الأمس وحده، ولا يهتمّون بغيره مِن يومٍ مشهودٍ أو غدٍ منشودٍ، فمِن هؤلاء مَن يحيا مفاخرًا بالماضي وعلمائه وجهودهم الّتي بذلوها للأمّة، معتزًّا بأمجاده دون أن يقدّم مزيدًا يصل حاضره بماضيه، فهو يتغنّى بذكر أسماء العلماء القدماء الّذين مضَوا وتركوا أثرًا، ولقد صدق في هؤلاء قول القائل:
إنّ الفتى مَن يقول ها أنا ذا ليس الفتى مَن يقول كان أبي
إنّ الاعتزاز بأمجاد الماضي، ومآثر العلماء القدامى أمرٌ محمودٌ، إذا دفع إلى إكمال ما بدؤوا، والاقتداء بهم في خير ما فعلوا، ولكنّ الوقوف عند التّغنّي بذلك لونٌ مِن السّلبيّة، لا يقدّم في بناء الأمم شيئًا، وماذا يفيد العظام النّخرة أن تقول: "كنت فيما مضى جسدًا حيًّا"! بل إنّ الموقف الإيجابيّ هو ما عبّر عنه الشّاعر:
نبني كما كانت أوائلنا تبني ونفعل مثل ما فعلوا
ومِن هؤلاء مَن يعيش في الماضي متشبّثًا به لمجرّد أنّ هذا ما كان عليه آباؤه الأقدمون، دون أن يمتحن هذا الماضي ليعرف حقّه مِن باطله، وهذا التّفكير هو الّذي وقف عقبةً في وجه المرسلين مِن قديم الزّمان، ولقد أنكر القرآن على هذا الصّنف مِن النّاس الجمود العقليّ، والتّحجّر على ما كان عليه الآباء، والتّبعيّة العمياء لما توارثوه، قال تعالى: {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} [البقرة: 170].
ومِن هنا كان على العاقل أن يكسب الزّمن ولا يعيش في الماضي نادمًا عليه متحسّرًا على ما فات فيه، مردّدًا دائمًا عبارات التّحسّر، وهذا الّلون مِن الّتفكير يجعل الإنسان يعيش بالكآبة النّفسيّة، ويحييه في نكدٍ وقلقٍ دائمين، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ، فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ).
فإذا أردنا بناء مستقبلٍ زاهرٍ فإنّه لا يُبنى جزافًا، ولا يُدرك بالخيال والوهم، بل يُحرز بالتّفكير السّليم، القائم على الدّراسة الواقعيّة الّتي توازن بين الطّموح والقدرات، وخير وسيلةٍ وأفضل سُلَّمٍ لبلوغ ذلك: العلم الّذي يُتوصّل به إلى إدراك المقاصد، وبلوغ الغايات، وإنّه يُبصّر الطّريق ويُذلّل العقبات، فلنحرصْ على تعليم أنفسنا وأُسَرنا ومجتمعنا العلم النّافع في سائر شؤون الحياة.
خاتمةٌ:
لا تَقدُّمَ للأمم بدون العلم الّذي يربّي الأفراد والجماعات، ويغذّي عقولهم، ويصونهم مِن الانجراف وراء الخرافة والأوهام، ويكون سدًّا منيعًا لهم مِن التّخلّف والفساد، فلا بدّ مِن الاعتناء بمؤسّسات التّعليم مِن جديدٍ، فهي معيار قوّة المجتمع ومقياس نهضته، وهذا يتطلّب مِنّا جميعًا -كبارًا وصغارًا- الإقبال على محاضن التّربية والتّعليم، قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: "تَفَقَّهُوا قَبْلَ أَنْ تُسَوَّدُوا".
وأضاف الإمام البخاريّ: "وَبَعْدَ أَنْ تُسَوَّدُوا، وَقَدْ تَعَلَّمَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ ع فِي كِبَرِ سِنِّهِمْ".
إذا كنّا مطالبين بالاستعداد التّامّ لاستقبال عامنا الدّراسيّ بهمّةٍ عاليةٍ، فإنّ ذلك يدعونا للاستعداد للآخرة، وإذا كان أوّل أيّام الدّراسة هو الصّفحة النّقيّة الأولى مِن كتاب العام، ويجعل الموهوبين مهتمّين به أيّما اهتمامٍ، ليسجّلوا فيه ما يفيدهم وينفعهم، وما يحقّق لهم الدّرجات العليا، فإنّ ذلك يدعونا أن نبدأ حياتنا مِن جديدٍ بصحائف بيضاء نقيّةٍ، ولنقرأْ سيرة علمائنا الجهابذة الأفذاذ الّذين مضوا وتركوا لنا أثرًا طيّبًا يشهد لجهودهم، ولنقتدِ بهم، ولنتابع ما بدؤوه، ولا نكتف بالتّغنّي بذكر مآثرهم، كما ينبغي أن نؤدّيَ الأمانة تجاه أولادنا، ولنتعلّمْ العلم النّافع ولنعلّمه، ولنغرسْ في نفوس أبنائنا الإخلاص في العمل، والجدّ في الطّلب، والابتعاد عن الملهيات الّتي أسكرت العقول، ودمّرت الأخلاق، ولنذكّر شبابنا بأنّهم سيصبحون بالعلم عماد المستقبل وبناة الحضارة، فالأمّة الإسلاميّة تنتظرهم، لتبني بهم المجد مِن جديدٍ، وتتغلّب على عدوّها الغاشم الّذي افتخر عليها بصناعاته وتقدّمه.