1- شَهر الصَّبر
2- ميادين الصَّبر رمضان
مقدمة:
الصّبر؛ تلكم القيمة الّتي تكمن وراء نجاح النّاجحين في الدّنيا، وفلاح المؤمنين في الآخرة، أمرَ الله بها في خاتمة سورة آل عمران؛ عسى أن تكون سببًا للفلاح {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 200].
وختم سورة الأحقاف يأمر نبيّه بها {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ} [الأحقاف: 35].
لقد جاءت نصوصٌ كثيرةٌ تمدح الصّبر وتصف آثاره الحميدة؛ عَنْ جُرَيٍّ النَّهْدِيِّ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، قَالَ: عَدَّهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي يَدِي أَوْ فِي يَدِهِ: (التَّسْبِيحُ نِصْفُ المِيزَانِ، وَالْحَمْدُ يَمْلَؤُهُ، وَالتَّكْبِيرُ يَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَالصَّوْمُ نِصْفُ الصَّبْرِ، وَالطُّهُورُ نِصْفُ الإِيمَانِ).
وعَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآَنِ -أَوْ تَمْلَأُ- مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَالصَّلَاةُ نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا).
ففي الصّبر على ما تكره النّفس خيرٌ كثيرٌ؛ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: (يَا غُلامُ، أَوْ يَا غُلَيِّمُ، أَلا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِنَّ؟) فَقُلْتُ: بَلَى. فَقَالَ: (احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ إِلَيْهِ فِي الرَّخَاءِ، يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ، وَإِذَا سَأَلْتَ، فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ، فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، قَدْ جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ، فَلَوْ أَنَّ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ جَمِيعًا أَرَادُوا أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، وَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، وَاعْلَمْ أنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا، وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا).
فكيف نتحصّل على هذه القيمة العظيمة؟ وكيف يكون رمضان سببًا للفلاح؟
1- شَهر الصَّبر
جاء الرّبط بين رمضان والصّبر في عدّة أحاديث؛ عن أَبَي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (صَوْمُ شَهْرِ الصَّبْرِ، وَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، صَوْمُ الدَّهْرِ).
وفي حديثٍ آخر: رجلٌ مِن باهلة يصوم الدّهر كلّه، فيضعف بدنه، فيأمره النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن يكتفي بصوم شهر الصّبر وثلاثة أيام مِن كلّ شهرٍ؛ عن مُجِيبَة عَجُوزٍ مِنْ بِاهِلَةَ، عَنْ أَبِيهَا، أَوْ عَنْ عَمِّهَا، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِحَاجَةٍ مَرَّةً، فَقَالَ: (مَنْ أَنْتَ؟) قَالَ: أَوَ مَا تَعْرِفُنِي؟ قَالَ: (وَمَنْ أَنْتَ؟) قَالَ: أَنَا الْبَاهِلِيُّ الَّذِي أَتَيْتُكَ عَامَ أَوَّلٍ، قَالَ: (فَإِنَّكَ أَتَيْتَنِي وَجِسْمُكَ وَلَوْنُكَ وَهَيْئَتُكَ حَسَنَةٌ، فَمَا بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى؟) فَقَالَ: إِنِّي وَاللَّهِ مَا أَفْطَرْتُ بَعْدَكَ إِلَّا لَيْلًا، قَالَ: (مَنْ أَمَرَكَ أَنْ تُعَذِّبَ نَفْسَكَ؟) ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، (صُمْ شَهْرَ الصَّبْرِ رَمَضَانَ)، قُلْتُ: إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً، وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ تَزِيدَنِي، قَالَ: (فَصُمْ يَوْمًا مِنَ الشَّهْرِ)، قُلْتُ: إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً، وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ تَزِيدَنِي، قَالَ: (فَيَوْمَيْنِ مِنَ الشَّهْرِ)، قُلْتُ: إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً، وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ تَزِيدَنِي، قَالَ: (وَمَا تَبْغِي عَنْ شَهْرِ الصَّبْرِ، وَيَوْمَيْنِ فِي الشَّهْرِ)، قَالَ: قُلْتُ: إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً، وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ تَزِيدَنِي، قَالَ: (فَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنَ الشَّهْرِ)، قَالَ: (وَأَلْحَمَ عِنْدَ الثَّالِثَةِ)، فَمَا كَادَ قُلْتُ: إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً، وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ تَزِيدَنِي، قَالَ: (فَمِنَ الْحُرُمِ، وَأَفْطِرْ).
وفي حديثٍ آخر ربطٌ بين صوم شهر الصّبر وبين سلامة الصّدر؛ عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ بْنِ الشِّخِّيرِ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ مُطَرِّفٍ فِي سُوقِ الْإِبِلِ، فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ مَعَهُ قِطْعَةُ أَدِيمٍ، أَوْ جِرَابٍ، فَقَالَ: مَنْ يَقْرَأُ؟ أَوَ فِيكُمْ مَنْ يَقْرَأُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَأَخَذْتُهُ، فَإِذَا فِيهِ: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لِبَنِي زُهَيْرِ بْنِ أُقَيْشٍ، حَيٍّ مِنْ عُكْلٍ، إِنَّهُمْ إِنْ شَهِدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَفَارَقُوا الْمُشْرِكِينَ، وَأَقَرُّوا بِالْخُمُسِ فِي غَنَائِمِهِمْ، وَسَهْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفِيَّهُ، فَإِنَّهُمْ آمِنُونَ بِأَمَانِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ)، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الْقَوْمِ: هَلْ سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا تُحَدِّثُنَاهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالُوا: فَحَدِّثْنَا يَرْحَمُكَ اللَّهُ، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنْ وَحَرِ صَدْرِهِ فَلْيَصُمْ شَهْرَ الصَّبْرِ، وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ) فَقَالَ لَهُ الْقَوْمُ، أَوْ بَعْضُهُمْ: أَأَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ: أَلَا أُرَاكُمْ تَتَّهِمُونِي أَنْ أَكْذِبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ مَرَّةً: تَخَافُونَ وَاللَّهِ لَا أُحَدِّثَنَّكُمْ حَدِيثًا سَائِرَ الْيَوْمِ ثُمَّ انْطَلَقَ.
وعَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ بَابِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ رضي الله عنه وَفِينَا أَبُو ذَرٍّ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (صَوْمُ شَهْرِ الصَّبْرِ وَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ صَوْمُ الدَّهْرِ، وَيُذْهِبُ مَغَلَةَ الصَّدْرِ) قَالَ: قُلْتُ: وَمَا مَغَلَةُ الصَّدْرِ؟ قَالَ: (رِجْسُ الشَّيْطَانِ).
فإن شئت قل: ما أعظم ثمرات الصّوم، يذهب برجس الشّيطان ويورث سلامة الصّدر، وإن شئت اجعلها ثمراتٍ للصّبر، فهما واحدٌ.
2- ميادين الصَّبر رمضان
ولمّا كانت محابّ النّفس كثيرةٌ، كان للصّبر أنواعٌ كثيرةٌ، وتكاد تراها مجتمعةً في شهر الصّبر، فالنّفس تحبّ الأكل والشّرب، لكنّ رمضان يعوّد النّفس أن تتركهما سحابة النّهار {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187].
وشهوة الفرج؛ يصبّر الصّائم نفسه عنها بياض نهاره، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: (يَقُولُ اللَّهُ عز وجل: الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَأَكْلَهُ وَشُرْبَهُ مِنْ أَجْلِي، وَالصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ حِينَ يُفْطِرُ، وَفَرْحَةٌ حِينَ يَلْقَى رَبَّهُ، وَلَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ المِسْكِ).
وفي هذا الحديث بيانٌ إلى أنّ مضاعفة أجر الصّوم تختلف عن حساب الحسنات الأخرى؛ لأنّه فرعٌ عن الصّبر {قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}. [الزّمر: 10].
وفي رمضان صبرٌ على مكابدة اللّيل بالقيام بعد مكابدة النّهار بالصّيام، عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: صُمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يُصَلِّ بِنَا، حَتَّى بَقِيَ سَبْعٌ مِنَ الشَّهْرِ، فَقَامَ بِنَا حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ، ثُمَّ لَمْ يَقُمْ بِنَا فِي السَّادِسَةِ، وَقَامَ بِنَا فِي الخَامِسَةِ، حَتَّى ذَهَبَ شَطْرُ اللَّيْلِ، فَقُلْنَا لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ نَفَّلْتَنَا بَقِيَّةَ لَيْلَتِنَا هَذِهِ؟ فَقَالَ: (إِنَّهُ مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ).
وفي رمضان تعويدٌ للنّفس على الصّبر على أذى النّاس، عن أَبَي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (قَالَ اللهُ عز وجل: وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ، فَلَا يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَسْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ).
على عكس ما يدّرع بعض النّاس اليوم لغضبهم، إذ يغضبون صائمين ويبرّرون غضبهم بصومهم، فالأصل أن يقترن الصّوم بالصّبر على الأذى؛ لا بفاحش القول وزوره، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْلَ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ بِأَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَلَا شَرَابَهُ).
وفي رمضان: الصّبر على تلاوة القرآن {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185].
فقد كان جبريل يُدارس القرآن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّة كلّ رمضان، إلّا في السّنة الّتي قُبض فيها دارسه معه مرّتين.
خاتمةٌ:
أمر الله عباده بالصّبر والصّلاة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 153].
{وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة: 45].
فما الصّبر في هذه الآيات؟ قَالَ مُجَاهِدٌ: "الصَّبْرُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الصَّوْمُ، وَمِنْهُ قِيلَ لِرَمَضَانَ شَهْرُ الصَّبْرِ، فَجَاءَ الصَّوْمُ وَالصَّلَاةُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فِي الْآيَةِ مُتَنَاسِبًا فِي أَنَّ الصِّيَامَ يَمْنَعُ مِنَ الشَّهَوَاتِ وَيُزَهِّدُ فِي الدُّنْيَا، وَالصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ".
ثمّ إنّ اجتماع الصّوم والصّبر في هذا الشّهر له ثمراتٌ طيّبةٌ تنشأ عن اجتماع الصّبر والتّقوى، فالصّوم يثمر التّقوى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183].
وإذا اجتمع الصّبر والتّقوى فانتظر الخير الكثير {قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف: 90].
{إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [آل عمران: 120].
فحريٌّ بنا ألّا نخرج مِن هذا الشّهر إلّا وقد اكتسبنا الصّبر والتّقوى، ثمّ لا تسل بعدها عن الخير الّذي ينتظرنا.