1- مظاهر احتفاليَّة
2- مِن آداب العيد
مقدمة:
للأمم أعيادها الّتي تحتفل فيها وتفرح، ولنا عيدان؛ هما: عيد الفطر وعيد الأضحى، يبدأ تاريخهما بتاريخ الإِسلام، إذ لم يكونا معروفين في الجاهلية عند العرب، ولا عند غيرهم، وإنما شُرعا في السّنة الأولى مِن الهجرة النّبويّة، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَقَالَ: مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟ قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْأَضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ).
واختار الله لهما اسمين كريمين مِن نفس المعنى والمناسبة الّتي شُرعا مِن أجلها..
فالأوّل عيد الفطر، لأنّه يتعلّق بعبادة الصّوم، ويُشعر بالإفطار منه، ويُعلن عن الفرحة بإتمامه، كما يشير إليه الحديث، عَنْ أَبِي صَالِحٍ الزَّيَّاتِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ فَهُوَ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ، وَإِذَا لَقِيَ اللَّهَ فَرِحَ بِصَوْمِهِ).
والثّاني عيد الأضحى، لأنّه يتعلّق بالأضحية، وقد شرع الله لنا هذين العيدين ليكونا بديلين عن عيد النّيروز والمهرجان، وهما عيدان فارسيّان كانا يقامان لِإحياء الشّعائر المجوسيّة، فأبدلهما الله بالفطر والأضحى لِإحياء الشّعائر الحنيفيّة، وسنّ لنا فيهما الخروج إلى المصلّى لِإظهار شوكة الإِسلام وقوّته وجلاله وأبّهته؛ في هذا المشهد العظيم، وإنّما سمّي العيد عيدًا لأنّه يعود على النّاس بالفرحة والسّرور، ويعود الله فيه على عباده، فيتجلّى عليهم بالرّحمة والغفران.
1- مظاهر احتفاليَّة
نحتفي ونحتفل إذ نتمّ الشّهر الفضيل، وقد أُثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إقراره لبعض المظاهر الاحتفاليّة؛ فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنه، قَالَتْ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ مِنْ جَوَارِي الأَنْصَارِ تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاوَلَتِ الأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثَ، قَالَتْ: وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: أَمَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَذَلِكَ فِي يَوْمِ عِيدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وَهَذَا عِيدُنَا).
وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: وَكَانَ يَوْمَ عِيدٍ، يَلْعَبُ السُّودَانُ بِالدَّرَقِ وَالحِرَابِ، فَإِمَّا سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَإِمَّا قَالَ: (تَشْتَهِينَ تَنْظُرِينَ؟) فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَأَقَامَنِي وَرَاءَهُ، خَدِّي عَلَى خَدِّهِ، وَهُوَ يَقُولُ: (دُونَكُمْ يَا بَنِي أَرْفِدَةَ) حَتَّى إِذَا مَلِلْتُ، قَالَ: (حَسْبُكِ؟) قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: (فَاذْهَبِي).
ومِن مظاهر العناية بالعيد والاحتفال به: تخصيص الملابس الجديدة الجميلة له، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقترح لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبًا مِن حريرٍ للعيد والوفود، فيقرّ سول الله صلى الله عليه وسلم أصل الفكرة، وينكر لبس الحرير، عن عَبْد اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنه، قَالَ: أَخَذَ عُمَرُ رضي الله عنه جُبَّةً مِنْ إِسْتَبْرَقٍ تُبَاعُ فِي السُّوقِ، فَأَخَذَهَا، فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْتَعْ هَذِهِ تَجَمَّلْ بِهَا لِلْعِيدِ وَالوُفُودِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ) فَلَبِثَ عُمَرُ رضي الله عنه مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَلْبَثَ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِجُبَّةِ دِيبَاجٍ، فَأَقْبَلَ بِهَا عُمَرُ رضي الله عنه، فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسل ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّكَ قُلْتَ: (إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ) وَأَرْسَلْتَ إِلَيَّ بِهَذِهِ الجُبَّةِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (تَبِيعُهَا أَوْ تُصِيبُ بِهَا حَاجَتَكَ).
على أنّ هذه المظاهر الاحتفالية سلميّة؛ لا نحمل فيها سلاحًا، فبعض الناس إذا احتفلوا مشَوا بسلاحهم في الأسواق، وربما أطلقوا الرّصاص في الهواء، فأخافوا النّساء والأطفال، وهذا لا يستقيم، صحيحٌ أنّ السّودان لعبوا بالحراب يوم العيد، لكن في المسجد ولم يؤذوا أحدًا، قَالَ الحَسَنُ رضي الله عنه: "نُهُوا أَنْ يَحْمِلُوا السِّلاَحَ يَوْمَ عِيدٍ إِلَّا أَنْ يَخَافُوا عَدُوًّا".
وعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهحِينَ أَصَابَهُ سِنَانُ الرُّمْحِ فِي أَخْمَصِ قَدَمِهِ، فَلَزِقَتْ قَدَمُهُ بِالرِّكَابِ، فَنَزَلْتُ، فَنَزَعْتُهَا وَذَلِكَ بِمِنًى، فَبَلَغَ الحَجَّاجَ فَجَعَلَ يَعُودُهُ، فَقَالَ الحَجَّاجُ: لَوْ نَعْلَمُ مَنْ أَصَابَكَ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَنْتَ أَصَبْتَنِي، قَالَ: وَكَيْفَ؟ قَالَ: حَمَلْتَ السِّلاَحَ فِي يَوْمٍ لَمْ يَكُنْ يُحْمَلُ فِيهِ، وَأَدْخَلْتَ السِّلاَحَ الحَرَمَ وَلَمْ يَكُنِ السِّلاَحُ يُدْخَلُ الحَرَمَ.
2- مِن آداب العيد
وممّا يميّز العيد عن سواه أن جعلت له الشريعة آدابًا خاصّة به، تجعله يمتاز على باقي الأيّام، سبق منها: أن يتجمّل له المرء بجميل الثّياب، ومنها: أدبٌ واجبٌ وهو ألّا يُصام يومه؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: "أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمَيْنِ يَوْمِ الْأَضْحَى، وَيَوْمِ الْفِطْرِ".
وَقَدْ فَسَّرَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، فَقَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمَيْنِ، أَمَّا يَوْمُ الْأَضْحَى فَتَأْكُلُونَ مِنْ نُسُكِكُمْ، وَأَمَّا يَوْمُ الْفِطْرِ فَفِطْرُكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ، وَهَذَا الْأَصْلُ فِي ذَلِكَ، وَاَلَّذِي يَخْتَصُّ بِهِ يَوْمُ الْفِطْرِ أَنَّهُ فَصْلٌ لِلصَّوْمِ الْمُفْتَرَضِ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ التَّطَوُّعِ، فَلَوْ جَازَ صَوْمُهُ لَاتَّصَلَ التَّطَوُّعُ بِالْفَرْضِ وَلَأَشْكَلَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخِرِ شَعْبَانَ أنّ اسْتِقْبَالُ النَّاسِ لرمضان يَمْنَعُ مِنْ اتِّصَالِهِ بِشَعْبَانَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَا بَعْدَ رَمَضَانَ، فَإِنَّ اسْتِقْبَالَهُ بِالصَّوْمِ لَا يُسْمَعُ وَلَا يَشِيعُ، فَلَوْ لَمْ يُفْصَلْ بَيْنَهُمَا بِفِطْرٍ لَأَشْكَلَ.
وللإشعار بعدم صيام يوم الفطر فلا نغدو إلى المسجد إلا وقد أكلنا تمراتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لاَ يَغْدُو يَوْمَ الفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ، وَقَالَ مُرَجَّأُ بْنُ رَجَاءٍ، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسٌ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، (وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا).
وقد عُلّل الأكل يوم الفطر قبل الخروج بالمبادرة إلى الفطر في يوم العيد، ليظهر مخالفته لرمضان؛ حيث كان تحريم الأكل في نهاره، وقد عُلل بأن السّنّة تأخير الصّلاة يوم الفطر، فيكون الأكل قبل الخروج أسكن للنّفس، بخلاف صلاة النّحر؛ فإن السّنّة تعجيلها، وذكر بعضهم معنًى آخر، وهو أنّ يوم الفطر قبل الصّلاة تُشرع الصّدقة على المساكين بما يأكلونه خصوصًا التّمر، فشُرع له أن يأكل معهم ويشاركهم، وفي النّحر لا تكون الصّدقة على المساكين إلاّ بعد الرجوع مِن الصّلاة، فيؤخّر الأكل إلى حال الصّدقة عليهم، ليشاركهم -أيضًا- وقد رَوَى الإمام أحمد عن عَطَاء: أنّه سَمِعَ ابن عَبَّاس رضي الله عنه يَقُول: إن استطعتم أن لا يغدوا أحدكم يوم الفطر حَتَّى يطعم فليفعل، قَالَ: فَلَمْ أدَع أن آكل قَبْلَ أن أغدو منذ سَمِعْت ذَلِكَ مِن ابن عَبَّاس رضي الله عنه، قُلتُ: فعلى ماذا تأوّل هَذَا؟ قال: أظنّ سمعه مِن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، قال: كانوا لا يخرجون حتّى يمتدّ الضّحى، فيقولون: نطعم حتّى لا نعجل عن صلاتنا.
ومِن آدابه: أن يرجع مِن غير الطّريق الّذي جاء منه؛ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه، قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ".
خاتِمةٌ:
في العيد تخرج النّساء بأطفالها إلى حيث يفرح الأطفال، وبعض النّساء ربّما خرجن بغير الحجاب الشّرعيّ، كالثّياب الضيّقة وسواها، وهذا الخروج بتلك الثياب غير مشروعٍ، أمّا خروجهنّ إلى صلاة العيد وشهود الخير مع جماعة المسلمين فهو مطلوبٌ شرعًا، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: "أَمَرَنَا نَبِيُّنَا صلى الله عليه وسلم بِأَنْ نُخْرِجَ العَوَاتِقَ وَذَوَاتِ الخُدُورِ"، وَعَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حَفْصَةَ بِنَحْوِهِ -وَزَادَ فِي حَدِيثِ- حَفْصَةَ رضي الله عنها، قَالَ: أَوْ قَالَتْ: "العَوَاتِقَ وَذَوَاتِ الخُدُورِ، وَيَعْتَزِلْنَ الحُيَّضُ المُصَلَّى".
وعَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، قَالَتْ: كُنَّا نَمْنَعُ جَوَارِيَنَا أَنْ يَخْرُجْنَ يَوْمَ العِيدِ، فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ، فَنَزَلَتْ قَصْرَ بَنِي خَلَفٍ، فَأَتَيْتُهَا، فَحَدَّثَتْ أَنَّ زَوْجَ أُخْتِهَا غَزَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثِنْتَيْ عَشْرَةَ غَزْوَةً، فَكَانَتْ أُخْتُهَا مَعَهُ فِي سِتِّ غَزَوَاتٍ، فَقَالَتْ: فَكُنَّا نَقُومُ عَلَى المَرْضَى، وَنُدَاوِي الكَلْمَى، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعَلَى إِحْدَانَا بَأْسٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا جِلْبَابٌ أَنْ لاَ تَخْرُجَ؟ فَقَالَ: (لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا، فَلْيَشْهَدْنَ الخَيْرَ وَدَعْوَةَ المُؤْمِنِينَ) قَالَتْ حَفْصَةُ: فَلَمَّا قَدِمَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ أَتَيْتُهَا فَسَأَلْتُهَا: أَسَمِعْتِ فِي كَذَا وَكَذَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ بِأَبِي، وَقَلَّمَا ذَكَرَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إِلَّا قَالَتْ: بِأَبِي قَالَ: (لِيَخْرُجِ العَوَاتِقُ ذَوَاتُ الخُدُورِ) -أَوْ قَالَ: (العَوَاتِقُ وَذَوَاتُ الخُدُورِ) شَكَّ أَيُّوبُ- (وَالحُيَّضُ، وَيَعْتَزِلُ الحُيَّضُ المُصَلَّى، وَلْيَشْهَدْنَ الخَيْرَ وَدَعْوَةَ المُؤْمِنِينَ) قَالَتْ: فَقُلْتُ لَهَا: الحُيَّضُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، أَلَيْسَ الحَائِضُ تَشْهَدُ عَرَفَاتٍ، وَتَشْهَدُ كَذَا، وَتَشْهَدُ كَذَا.
ولا تكتمل فرحة العيد إلّا بصلة الأرحام، ومِن الصّلة تفقّد فقيرهم وصلته بالمال، حتّى يصلح مِن شأنه وشأن عياله يوم العيد، أعاده الله على الأمّة الإسلاميّة بالخير واليُمن والبركات.