1- صيانة مال اليتيم
2- الإحسان إلى اليتيم
مقدمة:
الدّنيا دار ابتلاءٍ، والأخرة دار جزاءٍ، وابتلاءات الدّنيا متنوعةٌ {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 155-157].
ونقص الأنفس معدودٌ في الابتلاءات كما نرى، وقد نصّت آيةٌ أخرى على أنّ الموت مصيبةٌ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ} [المائدة: 106].
فالموت وإن كان خلاصًا للمؤمن مِن سجنه الّذي هو دار الدّنيا، وعبورًا به نحو الأخرة، إلّا إنّه مصيبةٌ مِن حيث انقطاع عمله، فلو طال عمره وحسن عمله لكان ذلك خيرًا له، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه، أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ، قَالَ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ طَالَ عُمُرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ)، قَالَ: فَأَيُّ النَّاسِ شَرٌّ؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ).
وعلى هذا قصّة الصّحابيين يرويها طَلْحَة بْن عُبَيْدِ اللَّهِ رضي الله عنه يقول: أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ بَلِيٍّ قَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ إِسْلَامُهُمَا جَمِيعًا، فَكَانَ أَحَدُهُمَا أَشَدَّ اجْتِهَادًا مِنَ الْآخَرِ، فَغَزَا الْمُجْتَهِدُ مِنْهُمَا فَاسْتُشْهِدَ، ثُمَّ مَكَثَ الْآخَرُ بَعْدَهُ سَنَةً، ثُمَّ تُوُفِّيَ، قَالَ طَلْحَةُ رضي الله عنه: فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ: بَيْنَا أَنَا عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ، إِذَا أَنَا بِهِمَا، فَخَرَجَ خَارِجٌ مِنَ الْجَنَّةِ، فَأَذِنَ لِلَّذِي تُوُفِّيَ الْآخِرَ مِنْهُمَا، ثُمَّ خَرَجَ، فَأَذِنَ لِلَّذِي اسْتُشْهِدَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيَّ، فَقَالَ: ارْجِعْ، فَإِنَّكَ لَمْ يَأْنِ لَكَ بَعْدُ، فَأَصْبَحَ طَلْحَةُ رضي الله عنه يُحَدِّثُ بِهِ النَّاسَ، فَعَجِبُوا لِذَلِكَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَحَدَّثُوهُ الْحَدِيثَ، فَقَالَ: (مِنْ أَيِّ ذَلِكَ تَعْجَبُونَ؟) فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا كَانَ أَشَدَّ الرَّجُلَيْنِ اجْتِهَادًا، ثُمَّ اسْتُشْهِدَ، وَدَخَلَ هَذَا الْآخِرُ الْجَنَّةَ قَبْلَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (أَلَيْسَ قَدْ مَكَثَ هَذَا بَعْدَهُ سَنَةً؟) قَالُوا: بَلَى، قَالَ: (وَأَدْرَكَ رَمَضَانَ فَصَامَ، وَصَلَّى كَذَا وَكَذَا مِنْ سَجْدَةٍ فِي السَّنَةِ؟) قَالُوا: بَلَى، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (فَمَا بَيْنَهُمَا أَبْعَدُ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ).
فما أبعاد مصيبة الموت؟
1- صيانة مال اليتيم
مِن أبعاد مصيبة الموت أن تصيب أقارب المتوفى بالحزن العميق لفقد قريبهم، ومنها أن تُرمّل زوجته إن كان ذا زوجة، ومنها يُتم الأبناء، والابن اليتيم ضعيفٌ يحتاج إلى رعايةٍ حتّى يشتدّ عوده، لذلك أتت الكثير مِن النّصوص الّتي تحرّج حقّه؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ: الْيَتِيمِ، وَالْمَرْأَةِ).
وقد نهى القرآن عن الاقتراب مِن مال اليتيم إلا بالّتي هي أحسن {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الأنعام: 152].
{وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} [الإسراء: 34].
وجعلت الآيات أكل مال اليتيم كأكل النّار {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النّساء: 10].
وفي الأحاديث ما يوضّح تفاعل الصّحابة مع هذه الآيات، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه، قَالَ: "لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} وَ {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} انْطَلَقَ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ يَتِيمٌ فَعَزَلَ طَعَامَهُ مِنْ طَعَامِهِ وَشَرَابَهُ مِنْ شَرَابِهِ، فَجَعَلَ يَفْضُلُ مِنْ طَعَامِهِ فَيُحْبَسُ لَهُ حَتَّى يَأْكُلَهُ أَوْ يَفْسُدَ، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَنْزَلَ اللَّهُ سبحانه: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ} فَخَلَطُوا طَعَامَهُمْ بِطَعَامِهِ وَشَرَابَهُمْ بِشَرَابِهِ".
كما نهت الآيات في موضعٍ أخر عن أكل مال اليتيم {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا} [النّساء: 2].
ومِن صيانة مال اليتيم: ألّا يُترك بين يديه قبل تبيّنِ رشده، فإن بلغ راشدًا يأتي الأمر بدفع ماله إليه {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} [النّساء: 6].
نلاحظ أنّ الشّريعة تحرص على مال اليتيم وتصونه له، لأنّه بموت وليّه الأقرب إليه يصير ضعيفًا، عُرضةً أن تنهشه أنياب الطّامعين.
2- الإحسان إلى اليتيم
لم تأت النّصوص بصيانه مال اليتيم فقط، بل تعدّتها إلى الأمر بالإحسان إليه، وجعلت الإحسان إليه مِن أصناف البرّ {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة: 177].
وجعل الإسلامُ الإنفاق على اليتيم بابًا مِن أبواب الخير {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [البقرة: 215].
وأمر بالإحسان إليهم إذا حضروا قسمة الأموال {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا} [النّساء: 8].
وفي موضعٍ أخر أوصى بالإحسان إلى اليتيم {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} [النّساء: 36].
ومِن الإحسان إلى اليتامى أن جعل الشّرع لهم نصيبًا في الغنائم {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الأنفال: 41].
وجعل لهم نصيبًا في الفيء {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر: 7].
ومدح القرآن الّين يطعمون اليتيم {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الإنسان: 8].
وذمّ الّذين يدعّونه لا يكرمونه {كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ} [الفجر: 17].
{أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ} [الماعون: 1-2].
وقد امتنّ الله عز وجل على نبيّه صلى الله عليه وسلم أن آواه مِن يتم ثمّ أمره ألّا ينهر يتيمًا {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ} [الضّحى: 9].
وجعل إطعام اليتيم أيام المجاعة أمرًا تُقتحم به العقبة {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ} [البلد: 11-15].
خاتمةٌ:
تظهر بوضوحٍ عناية الإسلام بمال اليتيم وبطلب الإحسان إليه، ومِن صيانة أموال الأيتام في هذه الأيّام أن تتوخّى الجمعيّات الخيريّة الدّقّة في أموال الأيتام الّتي بين أيديهم، فلا يصرفونها في غير مصارفها، ولا يدفعون بها لمن لا يستحقّ، كما يتوجّب عليهم أن يحرصوا على مراعاة الجانب النّفسيّ لليتيم، فلا تنكسر نفسه وهو يتلقّى المعونة المخصّصة له بتصويرٍ أو إذلالٍ، فالآية الّتي أمرت بإعطائهم إذا حضروا القسمة خُتمت بقوله تعالى {وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا} [النّساء: 8].
وفي هذا مراعاةٌ لنفوسهم، وكذلك آية سورة الضّحى تنهى أن يُنهر اليتيم، وأية الماعون تنهى أن يُدعَّ؛ والدّع أن يُدفع اليتيم فلا يُطعم.
فكفالة اليتيم مراعاته مِن كل جانب حتّى يستحقّ كافله صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة؛ عَنْ سَهْل بن سعد رضي الله عنه، قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (وَأَنَا وَكَافِلُ اليَتِيمِ فِي الجَنَّةِ هَكَذَا) وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى، وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا.
وقد امتدح رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء قريشٍ بخصلتين؛ منهما: الحنوّ على اليتيم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الْإِبِلَ -قَالَ أَحَدُهُمَا: صَالِحُ نِسَاءِ قُرَيْشٍ، وَقَالَ الْآخَرُ: نِسَاءُ قُرَيْشٍ- أَحْنَاهُ عَلَى يَتِيمٍ فِي صِغَرِهِ، وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ).
فالمطلوب في الكفالة الحنوّ إلى جانب الإنفاق، على أنّ هذا الحنوّ لا يعنى أن نهمل تربية اليتيم وتأديبه فنراه على الخطأ ولا ننبّهه رعايةً لحالته النّفسيّة أن تتأذّى، ليس هذا هو المقصود، بل المطلوب أن نعامل اليتيم كما نعامل أبناءنا، فنؤدبّه كما نؤدبّهم ونوقع به ما نوقع بهم مِن العقاب، حتّى إذا نشأ؛ نشأ صالحًا، وهذا هو المطلوب.