1- مركز النُّور
2- الخطوات الثَّمينة
مقدمة:
خلق الله جل جلاله الزّمان والمكان، واختصّ مِن الزّمان أزمنةً نبّه سبحانه العباد إلى أهمّيّتها، كالثّلث الأخير مِن كلّ ليلة، ورمضان وعشره الأخير وعاشوراء وعرفة مع عشر ذي الحجّة وغير ذلك، كما اختصّ عز وجل مِن المكان أمكنةً نبّه العباد أيضًا إلى فضلها، مِن تلك الأماكن: مكانٌ أمر الله سبحانه خليله أن يرفع القواعد فيه {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [الحجّ: 26].
{وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 127].
وأمر النّاس أن يتخذوا مِن مقام إبراهيم مصلًى {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 125].
إنّ بيتًا واحدًا لله عز وجل في الأرض لن يسع النّاس أن يجتمعوا فيه كلّ صلاةٍ، فجعله جل جلاله موطنًا يُحجّ في العام مرّةً، أمّا الصّلاة ففي كلّ بقعةٍ مِن بقاع الأرض بيوتٌ لله يعمرها مَن آمن بالله واليوم الأخر {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [التّوبة: 18].
ونظرًا لأهمّية المسجد في حياة المؤمن فقد بادر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إنشاء المسجد لمّا وصل المدينة، فصار مجتمَعًا للمسلمين يصلّون فيه الفرائض، وهو في نفس الوقت دارٌ للحرب والسّلم، تُعقد فيه الاجتماعات، وتُؤخذ فيه الشّورى، وينام فيه فقراء المسلمين مِن أهل الصّفّة، ويجتمع فيه مختلف أطياف النّاس، وتخرج منه المظاهرات المنادية بالحرّيّة، فالمسجد أحبّ الأماكن إلى الله سبحانه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: (أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللهِ مَسَاجِدُهَا، وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إِلَى اللهِ أَسْوَاقُهَا).
1- مركز النُّور
الله نور السّماوات والأرض، جعل له بيوتًا في الأرض ليقتبس منها المؤمن النّور الّذي ينير دروبه في ظلمات الحياة، وينير له قبره لاحقًا، ثمّ ينير له الصّراط؛ حتّى يلج الجنّة سالمًا معافًى، فبعد أن بيّن سبحانه أنّه نور السّماوات والأرض قال في الآية التّالية: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [النّور: 36].
وكلّما اشتدّ ظلام الطّريق إلى المسجد ازداد النّور؛ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ، بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ).
لذا تجد أن أشقّ الصّلاة على المنافقين حيث تشتدّ الظّلمة في الدّنيا والنّور في الأخرة، المسجد يمنحنا النّور المطلوب لمّا نصلّي فيه، فالصّلاة نورٌ؛ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآَنِ -أَوْ تَمْلَأُ- مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَالصَّلَاةُ نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا).
لهذا لمّا نتوجّه إلى المسجد نسأل الله النّور؛ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه، أَنَّهُ رَقَدَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَاسْتَيْقَظَ فَتَسَوَّكَ وَتَوَضَّأَ وَهُوَ يَقُولُ: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 190].
فَقَرَأَ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ حَتَّى خَتَمَ السُّورَةَ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَأَطَالَ فِيهِمَا الْقِيَامَ وَالرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ، ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ سِتَّ رَكَعَاتٍ، كُلَّ ذَلِكَ يَسْتَاكُ وَيَتَوَضَّأُ وَيَقْرَأُ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ، ثُمَّ أَوْتَرَ بِثَلَاثٍ، فَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ فَخَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ، وَهُوَ يَقُولُ: (اللهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا، وَفِي لِسَانِي نُورًا، وَاجْعَلْ فِي سَمْعِي نُورًا، وَاجْعَلْ فِي بَصَرِي نُورًا، وَاجْعَلْ مِنْ خَلْفِي نُورًا، وَمِنْ أَمَامِي نُورًا، وَاجْعَلْ مِنْ فَوْقِي نُورًا، وَمِنْ تَحْتِي نُورًا، اللهُمَّ أَعْطِنِي نُورًا).
والمسجد فيه السّكينة، حيث نقرأ القرآن فيه فتنزل السّكينة وتغشى العبادَ فيه الرّحمة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ).
المسجد بيت الله جل جلاله، فمَن جاءه أكرمه الله بالنّور والرّحمة والسّكينة؛ عَنْ سَلْمَانَ رضي الله عنه، قَالَ: (إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ، يُصَلِّيَ فِيهِ، فَهُوَ زَائِرٌ لِلَّهِ عز وجل، وَحَقٌّ عَلَى الْمَزُورِ أَنْ يُكْرِمَ مَنْ زَارَهُ).
2- الخطوات الثَّمينة
تثقل القدمان أحيانًا عن السّير إلى بيت الله سبحانه، لكن ما إن يعرف المؤمن فضل هذه الخطوات عند الله حتّى يهبّ إليها لا يثنيه عنها حرٌّ ولا قرٌّ؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي جَمَاعَةٍ تَزِيدُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ، وَصَلَاتِهِ فِي سُوقِهِ، بِضْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً، وَذَلِكَ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ لَا يَنْهَزُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ، لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ، فَلَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رُفِعَ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ، حَتَّى يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ كَانَ فِي الصَّلَاةِ مَا كَانَتِ الصَّلَاةُ هِيَ تَحْبِسُهُ، وَالْمَلَائِكَةُ يُصَلُّونَ عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ، يَقُولُونَ: اللهُمَّ ارْحَمْهُ، اللهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللهُمَّ تُبْ عَلَيْهِ، مَا لَمْ يُؤْذِ فِيهِ، مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ).
تلك الخطوات الّتي تحطّ السّيّئات، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يُكَفِّرُ اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَيَزِيدُ بِهِ فِي الْحَسَنَاتِ؟) قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: (إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عِنْدَ الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَى إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ).
كانت ديار بني سلمة بعيدةً عن المسجد فأرادوا أن يقتربوا مِن المسجد؛ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه، قَالَ: أَرَادَ بَنُو سَلِمَةَ أَنْ يَتَحَوَّلُوا إِلَى قُرْبِ الْمَسْجِدِ، قَالَ: وَالْبِقَاعُ خَالِيَةٌ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: (يَا بَنِي سَلِمَةَ دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ)، فَقَالُوا: مَا كَانَ يَسُرُّنَا أَنَّا كُنَّا تَحَوَّلْنَا.
إنّها خطواتٌ ثمينةٌ منعت أحد الصّحابة أن يشتري ما يركبه إلى المسجد؛ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ لَا أَعْلَمُ رَجُلًا أَبْعَدَ مِنَ الْمَسْجِدِ مِنْهُ، وَكَانَ لَا تُخْطِئُهُ صَلَاةٌ، قَالَ: فَقِيلَ لَهُ: أَوْ قُلْتُ لَهُ: لَوْ اشْتَرَيْتَ حِمَارًا تَرْكَبُهُ فِي الظَّلْمَاءِ، وَفِي الرَّمْضَاءِ، قَالَ: مَا يَسُرُّنِي أَنَّ مَنْزِلِي إِلَى جَنْبِ الْمَسْجِدِ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ يُكْتَبَ لِي مَمْشَايَ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَرُجُوعِي إِذَا رَجَعْتُ إِلَى أَهْلِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (قَدْ جَمَعَ اللهُ لَكَ ذَلِكَ كُلَّهُ).
وعَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَعْظَمَ النَّاسِ أَجْرًا فِي الصَّلَاةِ أَبْعَدُهُمْ إِلَيْهَا مَمْشًى، فَأَبْعَدُهُمْ، وَالَّذِي يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الْإِمَامِ أَعْظَمَ أَجْرًا مِنَ الَّذِي يُصَلِّيَهَا ثُمَّ يَنَامُ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي كُرَيْبٍ: (حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الْإِمَامِ فِي جَمَاعَةٍ).
مَن أتى بيت الله أعدّ الله له بيتًا عنده؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، (مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ، أَوْ رَاحَ، أَعَدَّ اللهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ نُزُلًا، كُلَّمَا غَدَا، أَوْ رَاحَ).
وهو في غدوّه ورواحه في ضمانه الله؛ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: (ثَلَاثَةٌ كُلُّهُمْ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ، إِنْ عَاشَ رُزِقَ وَكُفِيَ، وَإِنْ مَاتَ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ: مَنْ دَخَلَ بَيْتَهُ فَسَلَّمَ، فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ).
خاتمةٌ:
المؤمن إذ تشرع أقدامُه طريقَها نحو المسجد موعودٌ بالخير العظيم؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: (مَا تَوَطَّنَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ الْمَسَاجِدَ لِلصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ، إِلَّا تَبَشْبَشَ اللَّهُ لَهُ، كَمَا يَتَبَشْبَشُ أَهْلُ الْغَائِبِ بِغَائِبِهِمْ إِذَا قَدِمَ عَلَيْهِمْ).
وقد توعّد رسول الله صلى الله عليه وسلم أولئك الّذين لا يأتون المسجد؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ، فَيُحْطَبَ، ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلاَةِ، فَيُؤَذَّنَ لَهَا، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيَؤُمَّ النَّاسَ، ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى رِجَالٍ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ، أَنَّهُ يَجِدُ عَرْقًا سَمِينًا، أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ، لَشَهِدَ العِشَاءَ).
حيث لم يكن يتخلّف عن الصّلاة إلّا المنافق؛ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه، قَالَ: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا، فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ، فَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى، وَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم سُنَنَ الْهُدَى، وَلَعَمْرِي، لَوْ أَنَّ كُلَّكُمْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ، لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ الرَّجُلَ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يَدْخُلَ فِي الصَّفِّ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ، فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ، فَيَعْمِدُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَيُصَلِّي فِيهِ، فَمَا يَخْطُو خَطْوَةً، إِلَّا رَفَعَ اللَّهُ لَهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً".
فهل يسرّنا اليوم أن نكون في المنافقين؟ إذا أردنا لأنفسنا ولأولادنا أن يكونوا مِن المتّقين فلنعلّمهم طريق المسجد فيصلّون فيه ويحفظون القرآن، فالمسجد بيت كلّ تقيٍّ، كَتَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه إِلَى سَلْمَانَ: أَمَّا بَعْدُ يَا أَخِي فَاغْتَنِمْ صِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ بِكَ مِنَ الْبَلَاءِ مَا لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ رَدَّهُ، وَيَا أَخِي اغْتَنِمْ دَعْوَةَ الْمُؤْمِنِ الْمُبْتَلَى، وَيَا أَخِي وَلْيَكُنِ الْمَسْجِدُ بَيْتَكَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (الْمَسْجِدُ بَيْتُ كُلِّ تَقِيٍّ).
إن استقدام الأبناء إلى المساجد يقتضي صبرًا مِن الأهل على تعويدهم آداب المساجد، وصبرًا مِن خدّام المساجد على ما يكون مِن فوضى جرّاء قدومهم، وإذا لم نسمع ضحكات الأطفال في المساجد اليوم فلنخشَ مِن الجيل القادم.