1- عيدٌ وثنيٌّ، وعقيدةٌ فاسدةٌ
2- التَّشبُّه بالكفَّار، موجبٌ لسخط الجبَّار
مقدمة:
لقد أكرمنا الله سبحانه بهذا الدِّين الحنيف، وأنعم علينا بشريعةٍ سمحةٍ غرّاء، ثمّ أمرنا باتّباع تعاليمها دون تغييرٍ أو تبديلٍ، أو زيادةٍ أو نقصانٍ، قال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} [الجاثية: 18-19].
فشريعة الله تامّةٌ مستقيمةٌ؛ لا نقص فيها ولا اعوجاج، وإنّ مِن تمامها وكمالها أنّنا قد أُمرنا بمخالفة المشركين في الظّاهر والباطن، ونُهينا عن التّشبّه بهم، أو أن نعبد الله جل جلاله بغير ما شرع، ومَن أعرض عن تعاليم هذا الدِّين القيّم كان مِن الخاسرين، قال عز وجل: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85].
ولقد نهانا الإسلام أن نتشبّه بأهل الكتاب في شعائرهم الوثنيّة الّتي جعلوها مِن أصل دينهم، ونسبوا بعضها للمسيح أو لحواريّيه، وهم ممّا أحدثوا بُرآء، وإنّ مِن أعظم شعائرهم الباطلة ما يحتفلون به كلّ عامٍ مِن الأعياد المحدَثة، الّتي ليست مِن دِين المسيح في شيءٍ، حيث يحتفلون قبل رأس السّنة بأيّامٍ قليلةٍ بالكريسماس، ثمّ يحتفلون برأس السّنة الميلاديّة، ويمارسون فيهما طقوسًا وجملةً مِن الأعمال المملوءة بالشّرك والكفر، والمشتملة على أنواعٍ مِن الشّبهات المضلّة، والشّهوات المحرّمة، والاعتقادات الفاسدة، ومِن خطورة هذه الأعياد المحرّمة: أنّ احتفالاتها وشعائرها قد وصلت إلى بيوت بعض المسلمين، عبر مواقع التّواصل الاجتماعيّ، ممّا جعل مِن الواجب علينا التّحذير منها، حتّى يتبيّن لكلّ مسلمٍ خطرها وفظاعة أمرها، فينكرها ويبتعد عنها، ويرفضها رفضًا قاطعًا، ويبقى معتزّا بدينه وعقيدته الصّافية، مواليًا الله ورسوله، متبرّئًا مِن الشّرك وأهله.
1- عيدٌ وثنيٌّ، وعقيدةٌ فاسدةٌ
إنّ الشّعائر الباطلة لا يكاد يحيط بها أحدٌ لكثرتها، وليس مِن مهمّات المسلم معرفتها إلّا ما يُخشى على المسلمين وقوعهم فيها، تحذيرًا وتنفيرًا، وذلك مِن معرفة الشّرّ لاتّقائه، عَنْ حُذَيْفَةُ رضي الله عنه قَالَ: "كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُونَهُ عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ"، قِيلَ: لِمَ فَعَلْتَ ذَلِكَ؟ قَالَ: "مَنْ اتَّقَى الشَّرَّ وَقَعَ فِي الْخَيْرِ".
وإنّ النّصارى يحتفلون في اليوم الخامس والعشرين مِن الشّهر الثّاني عشر مِن السّنة الميلاديّة بما يسمّونه (الكريسماس)، ويعتقدون أنّ هذا اليوم هو يوم ميلاد المسيح ابن الله، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا، ولقد شنّع الله سبحانه أبلغ تشنيعٍ، وتوعّد أولئك بأشدّ أنواع العذاب، قال تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا *وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا *إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم: 88-93].
وهذا مِن أعظم الفرية على الله جل جلاله، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (قَالَ اللهُ: كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ: لَنْ يُعِيدَنِي كَمَا بَدَأَنِي، وَلَيْسَ أَوَّلُ الْخَلْقِ بِأَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ إِعَادَتِهِ، وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ: اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا، وَأَنَا الْأَحَدُ الصَّمَدُ، لَمْ أَلِدْ وَلَمْ أُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لِي كُفْئًا أَحَدٌ).
كما أحدث النّصارى عيد رأس السّنة الميلاديّة تجديدًا لذكرى مولد المسيح المزعومة، مع أنّه لم يثبت لدى مؤرّخي النّصارى يوم مولده، وهذا العيد قد أحدثوه في أواسط المائة الرّابعة مِن التّاريخ النّصرانيّ الميلادي.
ومِن شعائرهم في أعيادهم هذه أنّهم يحتفلون فيها، ويرقصون ويطربون، ويشربون الخمر، ويذهبون إلى الكنائس، ويرتّلون التّرانيم، ويقرؤون قصّة المولد مِن إنجيلي متّى ولوقا.
وكلّ هذا مِن الشّرك والباطل الّذي ينافي عقيدتنا السّليمة، الّتي تأمرنا باجتناب كلّ هراءٍ وزيغٍ وفسادٍ، فموالاة أهل الإيمان والتّوحيد -بمحبّتهم ونصرتهم- والبراءة مِن الشّرك وأهله، لَمِنْ أصول الدِّين العظيمة، ومِن أجلّ العبادات، ولنا في رُسل الله أسوةٌ حسنةٌ، قال تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة: 4].
2- التَّشبُّه بالكفَّار، موجبٌ لسخط الجبَّار
لقد أضحى الاحتفال بالأعياد الوثنيّة النّصرانيّة ظاهرًا معلنًا، وتساهل كثيرٌ مِن المسلمين في حضورها، والمشاركة فيها، والإعانة عليها، والتّهادي بمناسبتها، والتّهاني بها، وهذا مِن التّساهل في شعائر الكفر الظّاهرة، والحقّ أنّه لا يحلّ لمسلمٍ أن يستهين بذلك، وواجبٌ على مَن يؤمن بالله ويعظّم شريعته، أن يجتنب حضورها، أو المشاركة فيها، أو تهنئة الغير بها، أو الرّدّ على تهنئتهم بمثلها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وقد أجمع الصّحابة والأئمّة بعدهم على إنكار أعياد الكفّار".
ولمّا صالح عمر رضي الله عنه نصارى الشّام، اشترط عليهم ألّا يظهروا الاحتفال بأعيادهم أمام المسلمين.
ولكَم هي النّصوص الواردة في النّهي عن التّشبّه بالكفّار! فقد بيّن ربّنا عز وجل أنّ اتّباعهم خروجٌ عن طاعته، وسببٌ لقسوة القلب وموته، قال سبحانه: {وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد: 16].
وجعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم تشبُّهَ المسلمِ بأهل الشّرك والكفر يجعله مثلهم، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ).
وقد يعجب بعض النّاس مِن هذا التّشديد في أعياد الكفّار، وليس بعجيبٍ عند مَن يفهم شريعة الله سبحانه، فلو أنّ وثنيًّا سجد لصنمٍ، أو نصرانيًّا سجد لقسّيسٍ، فهنّأه مسلمٌ على سجوده، لاستعظم النّاس منه ذلك، لِما في تهنئته مِن إقراره السّجود لغير الله، فإذا كان ذلك كذلك، فكيف يعجبون مِن تحريم تهنئة الكفّار بأعيادهم، وأعيادُهم مِن أظهر شعائرهم وأبْيَنِها! والمسلم الحقّ لا يُعظّم إلّا شعائر الله جل جلاله، قال تعالى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحجّ: 32].
فمَن عظّم شعائر الله سبحانه، قام في قلبه إنكار شعائر الكفر الظّاهرة والباطنة، فلا يداهن أحدًا ولو كثر الزّائغون، حيث إنّ أهل الضّلال أكثر مِن أهل الحقّ، قال عز وجل: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام: 116].
ولقد أرشد الله نبيّه صلى الله عليه وسلم إلى القيام بنهي أهل الكتاب عن المغالاة في الدِّين، واجتناب طريق مَن ضلّ وأضلّ غيره، قال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} [المائدة: 77].
فهلّا فقهنا تعاليم دِيننا، وتمسّكنا بها، ووقفنا عند حدود الله فلم نتعدّاها!
خاتمةٌ:
إنّنا نشاهد ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم -عيانًا- وهو يحدّث عن اتباع سَنَن مَن كان قبلنا، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى قَالَ فَمَنْ؟).
ولذا علينا أن نعلم أنّ الاحتفال بهذه الأعياد مِن أعظم المنكرات، وفيه إقرارٌ للنّصارى بأنّ لله ولدًا، وهذا مِن الكفر البواح، وقد أخبرنا كتاب ربّنا أنّ أهل الكتاب لن يهدأ لهم بالٌ، ولن يهنأ لهم عيشٌ حتّى يضلّوا المسلمين فيتركوا هدى الله جل جلاله، قال تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} [البقرة:120].
ومتابعتهم فيما هم عليهم مِن الأعياد الباطلة نوعٌ مِن أنواع الموالاة الّتي نهانا الله عنها، قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 51].
فليجتنب المسلم مشاركتهم وتهنئتهم فيما يسمّونه عيدًا، ويجعل الإنسان ينغمس في الكبائر الفظيعة المحرّمة باتفاق الأئمّة، قال ابن القيّم: "وأمّا التّهنئة بشعائر الكفر المختصّة به فحرامٌ بالاتّفاق، مثل أن يهنّئهم بأعيادهم وصومهم؛ فيقول: عيدٌ مباركٌ عليك، أو تَهْنَأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلم قائله مِن الكفر فهو مِن المحرّمات، وهو بمنزلة أن يهنّئه بسجوده للصّليب، بل ذلك أعظم إثمًا عند الله عز وجل، وأشدّ مقتًا مِن التّهنئة بشرب الخمر، وقتل النّفس، وارتكاب الفرْج الحرام ونحوه، وكثيرٌ ممّن لا قدْر للدّين عنده يقع في ذلك ولا يدري قبح ما فعل، فمَن هنّأ عبدًا بمعصيةٍ أو بدعةٍ أو كفرٍ فقد تعرّض لمقت الله وسخطه".
فلنجتنب طريق أهل الضّلال، الّذين نسبوا الولد لربّ العباد، ولنتّبع سبيل المؤمنين أهل الهدى والرّشاد، فالعزّة والكرامة بالتّمسّك بالدِّين القويم، والسّير على نهج رسول ربّ العالمين، والذلّ والخسارة بموالاة المغضوب عليهم والضّالين، وبتنكّب طريق المُنَعم عليهم مِن الصّالحين.