الاثنين 13 ربيع الأول 1446 هـ الموافق 16 سبتمبر 2024 م
طريق الهُدى وطريق الهَوى
الأربعاء 17 صفر 1446 هـ الموافق 21 أغسطس 2024 م
عدد الزيارات : 443
طريق الهُدى وطريق الهَوى
عناصر المادة
1- خطر اتِّباع الهوى
2- الدَّعوة لاتِّباع الحقِّ
مقدمة:
إنّ ميول النّفس لما تحبّه، وطلبها لما تهواه، يسمّى: الهوى، وقد يدخل الإنسان بهذا الهوى الجنّة، وقد يقوده إلى النّار، فإن وافق هواه الحقّ والخير، والعدل والإحسان، كان سببًا في فوزه وسعادته، وإن وافق الباطل والشّرّ، والظّلم والطّغيان، كان سببًا في هلاكه وخسرانه، ولمّا كان الغالب على الهوى أن يميل بصاحبه إلى ما يخالف الحقّ، و يجنح به عن طريق الخير، جاء التّحذير الشّديد، والوعيد الأكيد منه في كتاب الله عز وجل، فأمر داود بـأن يحكم بالحقّ، ويجتنب الهوى المهلك، قال تعالى: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [ص: 26].
وحذّر نبيّه محمّدًا صلى الله عليه وسلم مِن أهواء الكفّار، قال سبحانه: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48].
وأخبره أنّ اتّباع أهوائهم ظلمٌ كبيرٌ، قال جل جلاله: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ} [البقرة: 145].
وما منع النّاس مِن التزام نهج الأنبياء والرّسل إلّا اتّباع الهوى، قال تعالى: {وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ} [المائدة: 70].
وكلّ ذلك جهلٌ وسفهٌ وضلالٌ مبينٌ، قال سبحانه: {وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ} [الأنعام: 119].
وكلّ مَن سار سيرهم صار مثلهم، قال تعالى: {قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [الأنعام: 56].
ومِن هنا وجب على المسلمين أن يلتزموا الحقّ بكلّ صوره وأشكاله، ويتواصوا به، ويدعو بعضهم بعضًا إليه، وأن يجتنبوا اتّباع الهوى ويبتعدوا عنه، ويحذّر بعضهم بعضًا منه ومِن عواقبه الخطيرة المهلكة.
1- خطر اتِّباع الهوى
لقد قصّ الله سبحانه في كتابه الكريم قصّة رجلٍ أنعم عليه بنعمة الهداية، فأعرض عن صراط ربّه، ونكص على عقبيه، واتّبع شيطانه وهواه، ولخطورة هذا الأمر فقد أمر الله نبيّه صلى الله عليه وسلم أن يتلو على المؤمنين نبأه، لئلّا يسلكوا طريقه فيستبدلوا بالحقّ باطلًا، قال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف: 175-176].
وليس الأمر متوقّفًا عنده فحسب، بل هو نموذجٌ يتكرّر، فكم مِن إنسانٍ آتاه الله نعمة الحقّ والهداية فلم ينتفع بها، بل انقلب على وجهه، وأودى به اتّباعه لهواه إلى الهلاك، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: (ثَلَاثٌ مُهْلِكَاتٌ: ‌شُحٌّ ‌مُطَاعٌ، وَهَوًى مُتَّبَعٌ، وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ مِنَ الْخُيَلَاءِ). المعجم الأوسط للطّبرانيّ: 5452
فالنّفس لها رغباتٌ تطلبها، ومحبوباتٌ تهواها، قال سبحانه: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ} [آل عمران: 14].
ولكن الأمر الخطير جدّا أن يتحكّم الهوى بتصرّفات الإنسان وأفعاله وأقواله، دون أن ينظر إلى أوامر الدّين، وقِيم الأخلاق، فيتّخذ هواه إلهًا يعبده، قال جل جلاله: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً} [الجاثية: 23].
فهما طريقان لا ثالث لهما: طريق استجابة العبد لمولاه، و طريق استجابته لهواه، قال تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ} [القصص: 50].
ومِن هنا كان الهوى سببًا لكلّ فسادٍ، قال سبحانه: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} [المؤمنون: 71].
فما خالط الهوى شيئًا إلّا أفسده، فبالهوى يقع الرّجل الصّالح بالشّرك والرّياء، وبالهوى تُسفك الدّماء، وبه يُعتدى على الأعراض والأموال، ويُنكر الحقّ، بل وتنتشر الجرائم، وتكثر الخصومات، فما أكل النّاس المال الحرام، وما فسدت الحياة وخربت الذّمم إلّا به، فهو مرضٌ خطيرٌ، ووبالٌ كبيرٌ، يوقع العالِم في الكِبر والغرور، والحاكم في الجَور والظّلم، فيترك الحكم بما أنزل الله في كتابه، قال عز وجل: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} [المائدة: 49].
2- الدَّعوة لاتِّباع الحقِّ
تدور شرائع الإسلام وأحكامه -مهما تعدّدت وتنوّعت- حول كلمةٍ واحدةٍ هي: الحقّ، والحقّ: هو ما تشهد به الفِطر السّليمة، وتطمئن إليه النّفوس الرّاضية، وتطيب به الحياة، وهو يتنوّع باعتبار دلائله وأحكامه، فينقسم إلى حقٍّ في العقيدة، قال سبحانه: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 1-4].
وإلى حقٍّ في العبادة، قال تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ} [الأنعام: 102].
وإلى حقٍّ في الأخلاق والسّلوك، قال سبحانه: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصّلت: 34].
ولقد كان النّاس أمام الحقّ فريقين: فريقٍ تسلم فيه قوّة الخير، فيعرف الحقّ ويعمل به في خاصّة نفسه، ويدعو النّاس إليه، ويبذل جهده في إنقاذهم مِن الباطل الّذي يزهق بنور الحقّ، قال جل جلاله: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: 81].
وهناك فريقٌ آخر تنمو في نفسه قوّة الشّرّ، فينطلق في الحياة كالوحش في الفلاة، ينتهك الأعراض، ويستلب الأموال، ويفسد في الأرض، بل ويعمل جاهدًا في صدّ النّاس عن الحقّ، ليطفئ نوره إن استطاع، قال عز وجل: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ * ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الحجّ: 8-9].
ولقد رسم الله لعباده المخلصين ما يقيهم ويقي دعوتهم شرّ التّأثّر بأراجيف المبطلين، وكيد المجرمين، فكفل لهم بوعده الحقّ: النّصر والتّأييد ما استقاموا على طريقته، وتمسّكوا بحقّه، قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: 69].
وإنّ لدعوة الحقّ صورًا وجوانب في الدّين والحياة، فالدّعوة إلى الإيمان، والدّعوة إلى تطهير النّفوس والمجتمعات مِن الأخلاق الفاسدة، والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، كلّ ذلك دعوةٌ إلى الحقّ، وهو دعوةٌ إلى الله، قال سبحانه: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصّلت: 33].
وشتّان بين مَن يلتزم طريق الحقّ ويحثّ غيره عليه، وبين مَن يتّبع الباطل والهوى ويدعو غيره إليه، قال سبحانه: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرّعد: 16-17].
خاتمةٌ:
إنّ اتّباع الهوى يورث صاحبه رقّةً في العقيدة، وضعفًا في الإيمان، وسوءًا في الخُلق، وميلًا إلى الخطايا وكبائر الذّنوب، فيرضخ لنزوات نفسه، ويميل لشهواتها، ويصبح عبدًا لشيطانه وهواه، فيجب على المسلم أن يتجرّد مِن أهوائه، وأن يصدر في أقواله وأفعاله عن عقلٍ ودينٍ، بحيث تكون جميع أهوائه ورغباته تابعةً لما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبذلك يعرف المسلم ربّه، ويخلص له الدّين، ويتعلّم صور الحقّ بأشكالها وأنواعها؛ فيلزمها، ويدعو النّاس إليها، فيبدأ في تعلّم أمور دينه، ويعمل بما علم، ثمّ يربّي أولاده تربيةً صالحةً، ويكون لهم أسوةً حسنةً، ويقوم بكفايتهم حتّى يستغنوا بكسبهم، ومِن ثَمّ يهتمّ بأمر المسلمين، فيحبّ لهم ما يحبّ لنفسه، ويعلم أنّ مِن الحقّ أن يرفق بالحيوان الأعجم فيحسن إليه عند الذّبح أو القتل، وهذا كلّه مِن التّواصي بالحقّ الّذي أُمرنا به، قال تعالى: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [الرّعد: 16-17].
فلنجتنب الهوى، ولنلزم طريق الحقّ، و ليوصِِ كلّ مسلمٍ أخاه باتّباع الحقّ في قوله وفعله وسائر أحواله، وليحذر المسلم أن يوصي أخاه باتّباع الحقّ وهو تاركٌ له، قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصّفّ: 2-3].
ولنكن قوّامين بالحقّ ولو على أنفسنا، قال جل جلاله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا} [النّساء: 135].
وعندئذ يصبح نصر الله منّا قاب قوسين أو أدنى.
1 - المعجم الأوسط للطّبرانيّ: 5452
دور الخطباء في سوريا ؟!
دور فعال ومؤثر (صوتأ 117) 80%
غير فعال (صوتأ 27) 18%
لا أدري (صوتأ 2) 1%
تاريخ البداية : 26 ديسمبر 2013 م عدد الأصوات الكلي : 146