الخميس 19 جمادى الأول 1446 هـ الموافق 21 نوفمبر 2024 م
التوبة من صفات من استحق البيعة من الله
السبت 21 صفر 1436 هـ الموافق 13 ديسمبر 2014 م
عدد الزيارات : 4404

                                                         التوبة من صفات من استحق البيعة من الله
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، الحمد لله غافر الذنب لعباده المستغفرين، لك الحمد يا ربنا أن غفرت لنا الذنوب ، وسترت لنا عن أعين العباد العيوب وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له يده مبسوطة لمسيئ الليل ليتوب بالنهار، ومسيئ النَّهَارِ لِيَتُوبَ بِاللَّيْلِ ، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله ، جاء عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال «يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ، فَإِنِّي أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ، وَأَسْتَغْفِرُهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ»( مسند أحمد بن حنبل) . أما بعد:
قرأ أحد السّلف قول الله عزّ وجلّ:( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ )  [التوبة:111:112]
فقَالَ له رجلٌ : أريد أن أبيع نفسي من الله فأجاهد حتى أقتل، فقال له: ويحك وأين الشروط؟ قال: وما هي؟ قال: أيَن  قوله تعالى: (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (التوبة:113)."
أيها الإخوة الأحبة:
يذكر لنا البيان الإلهي صفاتِ المؤهلين للجهاد الذين باعوا أنفسهم وأموالهم لله تعالى لينالوا الثمن من تلك البيعة ألا وهي جنة عرضها السماوات والأرض ورضوان من الله ففي الصفة الأولى وفي البند الأول نجد ذكر التائبين فقال سبحانه: (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ) (التوبة:112).
و التائبون: هو اسم فاعل معناه هم الملازمون للتوبة في جميع الأوقات، مبتعدون عن جميع السيئات•
ولئن كان الناس جميعا محتاجون إلى التوبة في كل حال امتثالا لقوله سبحانه (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(النور:31) فحاجة المجاهد إلى التوبة والاستغفار أشد وآكد من غيره؛ ذلك أن المجاهد معرض أكثر من غيره للعجب بعمله الصالح مع دنو أجله وتعرضه للموت في كل لحظة ولأن أكثر ما يخذل المجاهدين في المعارك ذنوبهم؛ فبالتوبة تمحو آثار الذنوب والمعاصي وتزيل أسباب الهزيمة والخذلان، فضلاً عن أن التوبة عبادة عظيمة من العبادات التي يحبها الله عز وجل ويفرح بها• قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ مِنْ رَجُلٍ فِي أَرْضٍ دَوِيَّةٍ مَهْلَكَةٍ، مَعَهُ رَاحِلَتُهُ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَنَامَ فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ ذَهَبَتْ، فَقَامَ يَطْلُبُهَا حَتَّى أَدْرَكَهُ الْعَطَشُ، ثُمَّ قَالَ: أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي الَّذِي كُنْتُ فِيهِ حَتَّى أَمُوتَ قَالَ: فَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى سَاعِدِهِ حَتَّى يَمُوَتَ فَاسْتَيْقَظَ وَعِنْدَهُ رَاحِلَتُهُ عَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَاللَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ هَذَا بِرَاحِلَتِهِ". (رَوَاهُ مسلم )
والمجاهد بشر ليس بمعصوم، بل إنه معرض للذنوب، ولكن عليه أن لا يُصِرَّ على الذنب، بل يسرع الرجوع ويستغفر ربه عندما تضعف نفسه وتزل قدمه؛ قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) (الأعراف:201)، وقال سبحانه في الآيات التي سبقت قصة معركة أحد في آل عمران: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (آل عمران:135).
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ )(الترمذي وابن ماجه)، ولنا في رسول الله القدوة والأسوة فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم وهو المعصوم يكثر من الاستغفار ويقول: (والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة)(البخاري) ، ويقول صلى الله عليه وسلم: (يا أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب في اليوم إليه مائة مرة) (مسلم).
ورحم الله الشاعر حين قال:
مَا تَنْقَضِي فِكْرَتِي وَلا عَجَبِي ... مِنْ متمادٍ فِي اللَّهْوِ واللعبِ
يَــرَى الْمَنَايَـــا لَـــهُ مطالبــــةٌ ... مِنْ كُل وجـهٍ شديدةُ الطلبِ
وَهُــوَ يُـرجَـى خلـــودَ مَنزِلــهِ ...  مـخلوقــةٌ للفَنـى و العَطَــبِ
أَخِـــي لا تَـغْتَـرَّ فإنــكَ لا بُـــد ... سَتَلْقَى الحِمــامَ عَنْ كَثَــبِ
تُبْ مِن خطاياك وابْكِ خَشْيَةَ ... ما أُثْبِتَ مِنْها عليْكَ في الكُتُبِ
أيــةُ حــالٍ تكــونُ حـالُ فَتـىً ... صـــارَ إلـــى ربـــهِ و لَـمْ يَتُبِ

دور الخطباء في سوريا ؟!
دور فعال ومؤثر (صوتأ 120) 81%
غير فعال (صوتأ 27) 18%
لا أدري (صوتأ 2) 1%
تاريخ البداية : 26 ديسمبر 2013 م عدد الأصوات الكلي : 149