1- سنَّة الله في الظَّالمين
2- خاتمةٌ وخيمةٌ لطاغيةٍ باغيةٍ
مقدمة:
قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} [الأنعام: 42-44].
وقال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ * ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} [الأعراف: 94-95].
في هذه الآيات الكريمة، يبيّن الله جل جلاله فيها سنّةً مِن سننه، وهي إنزال بأسه الشّديد، وعذابه الأليم بالظّالمين، الّذين كفروا بما أنزل الله مِن كتابٍ، و تعاموا عن الآيات والعِبر، وتناسوا الآلاء والنّعم، فلمّا نسوا ما ذكّرهم به مِن أنواع العقوبات، وسّع عليهم في الأرزاق، وأغدق عليهم أنواع النّعم ظاهرةً وباطنةً، وبينما هم في رغدٍ مِن العيش، وصفاء في الزّمن، والفرح بالأموال والأولاد، في طغيانهم يعمهون، وفي ضلالهم سادرون، إذ بربّنا سبحانه ينزّل عليهم عذابًا وبيلًا، ويأخذهم أخذ عزيزٍ مقتدرٍ، لأنّه ذكّرهم فلم يتذكّروا، ووعظهم على لسان الرّسل فلم يتّعظوا، فأهلكهم بكفرهم وظلمهم، ودمّرهم تدميرًا {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [آل عمران: 11].
ولذا فإنّ الأمن مِن مكر الله سبيلٌ إلى الهلاك في الدّنيا، والعذاب الشّديد في الآخرة، وفي قصص الأنبياء مع أقوامهم المكذّبين المستكبرين أجلّ عبرةٍ، وأكبر عظةٍ {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [العنكبوت: 40].
ولما كان الطّغاة المجرمون في منأى مِن كلام ربّ العالمين، وتدبّر آياته، وفِعل أوامره، واجتناب نواهيه، نزل بأحدهم -بالأمس القريب- الهلاك، وقُتل شرّ قتلةٍ، على يد ظلمةٍ مجرمين مثله، مكروا بالمؤمنين جميعًا، فحاق المكر السّيّئ به، وإنّنا نرجو مِن الله سبحانه أن يُنزل نقمته بهم عاجلًا غير آجلٍ، ويثلج بذلك قلوب المؤمنين.
1- سنَّة الله في الظَّالمين
إنّ كتاب الله عز وجل مليءٌ بالآيات الّتي تحدّثنا عن هلاك الظّالمين، وزاخرٌ بالقصص الّتي تخبرنا عن المكر بالمرسلين ومَن معهم مِن المؤمنين، وكيف أنّه حاق بهم مكرهم السّيّئ، ونزلت بهم العقوبات، بسبب كفرهم وظلمهم، وفسقهم وجبروتهم، وتلك سنّةٌ ثابتةٌ {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام: 110].
فعندما يسود الظّلم في أمّةٍ مِن الأمم، ويتأصّل الأمن مِن مكر الله في النّفوس، فإنّ الهلاك يكون وشيكًا {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف: 98-99].
وهكذا كلّ مَن طغى وتجبّر، كان مهدّدًا أن تُعجّل له العقوبة، أو يُختم له بالسّوء، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِذَا رَأَيْتَ اللهَ يُعْطِي الْعَبْدَ مَا يُحِبُّ وَهُوَ مُقِيمٌ عَلَى مَعَاصِيهِ، فَإِنَّمَا ذَلِكَ لَهُ مِنْهُ اسْتِدْرَاجٌ).
ولقد قصّ الله سبحانه علينا خبر هلاك الظّالمين، وجاء التّحذير الشّديد مِن فعلهم القبيح {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ} [النّحل: 45-46].
وحاشا لله أن يهمل الظّالمين، {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} [إبراهيم: 42-43].
وكم أرسل الله عز وجل على الطّغاة السّابقين مِن عقوباتٍ استأصلتهم جميعًا، ولم تُغنِ عنهم جنودهم مِن الله شيئًا {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر: 6-14].
وإنّ هلاك الظّالمين نعمةٌ تستحقّ الحمد والشّكر {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 45].
وإنّ الظّلم عقوبته معجّلةٌ في الدّنيا قبل الآخرة، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجَّلَ لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةُ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يُدَّخَرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ).
وحُقّ لنا عندئذٍ أن نفرح بهلاك بعض الطّغاة والظّالمين.
2- خاتمةٌ وخيمةٌ لطاغيةٍ باغيةٍ
لقد جعل الله عز وجل في الاطّلاع على مصير الكفرة المشركين، والطّغاة الظّالمين، عبرةً للمعتبرين، وإنّ مَن قلّب صفحات التّاريخ، وجد العجب العجاب في تبدّل الأحوال، الّتي أضحى فيها الأمير مأمورًا، والغنيّ فقيرًا، والعزيز ذليلًا، سواءً ما وقع في القرون الماضية، أو في السّنوات القريبة، قال عمرو بن شيبة: "كنت بمكّة بين الصّفا والمروة، فرأيت رجلًا راكبًا بغلةً، وبين يديه غلمانٌ ينفّرون النّاس، قال: ثمّ عدت بعد حينٍ فدخلت بغداد، فكنت على الجسر، فإذا أنا برجلٍ حافٍ حاسرٍ طويل الشّعر يسأل النّاس، قال: فجعلت أنظر إليه وأتأمّله، فقال لي: مالك تنظر إليّ؟ فقلت له: شبّهتك برجلٍ رأيته بمكّة، ووصفت له الصّفة، فقال: أنا ذلك الرّجل، فقلت: ما فعل الله بك؟ فقال: ترفّعت في موضعٍ يتواضع فيه النّاس، فوضعني الله حيث يترفّع النّاس".
وإنّ مثل هذه الأحداث لَتوقفنا على قدر أنفسنا فلنزمه، وتوجب علينا عدم الرّكون إلى الظّلمة، وتحذّرنا مِن الاغترار بالمال والجاه، والقوّة والسّلطان، فإنّ القوّة لله جميعًا، وهو القادر على إهلاك مَن يشاء، في الوقت الّذي يشاء، على الحال الّتي يشاء {فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ} [الحشر: 2].
ولقد قصّ الله سبحانه علينا خبر فرعون، ليكون عبرةً لمن يخشى {فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى * فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى} [النّازعات: 23-26].
وما وقع لزعيمٍ مِن زعماء الرّافضة في هذه الأيّام، مِن النّهاية المهينة، والعاقبة الأليمة، لَدرسٌ بليغٌ لكلّ جبّارٍ عنيدٍ، وطاغيةٍ كفورٍ، وموعظةٌ لكلّ مستكبرٍ ظالمٍ، وفاجرٍ جاحدٍ، فقد جاوز طغيانه الحدود، وتجرّأ على الطّعن في مَن شهد لها ربّنا المعبود، ثمّ أعان سفّاح الدّماء في بلاد الشّام، فقتل ودمّر، وسفك وهجّر، وسلب وعذّب، وأشعل الحرب ضدّ العزّل وسعّر، فسلّط الله عليه مَن هو أشدّ مِنه قوّةً، وأكثر ظلمًا وطغيانًا، فقوّضوا مُلكه، ودمّروا بلده، وقتلوا وشرّدوا جنده، وإنّ لهؤلاء يومًا مِن أيّام الله بمقتضى سنّته، وسيذيقهم ما أذاقوا غيرهم، ثمّ يكون مآلهم إلى نارٍ حاميةٍ، يعلوهم الذّلّ والصّغار {وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ * وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ * وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ} [الشّورى: 44-46].
خاتمةٌ:
ما أحوج المسلمين إلى أخذ العِبَر والعظات مِن التّاريخ القديم والحديث! فكمْ وكمْ فيه مِن أخبار الطّغاة الظالمين، والفجرة المعاندين، الّذين نازعوا الله سبحانه في كبريائه وعظمته، فقصمهم وأذلّهم، وجعلهم عبرةً لخلقه، وكم مِن أممٍ حادت عن الصّراط المستقيم، ورفضت الشّرع القويم، فسلّط الله عليها عدوًّا غاشمًا، استباح ديارها، وسلب خيراتها، وأفسد فيها، أو أرسل عليها عذابًا مِن السّماء فأهلكها، ودمّرها تدميرًا، فصارت أثرًا بعد عينٍ، وخبرًا يعتبر به المعتبرون مِن البشر {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا * فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا} [الطّلاق: 9-10].
فليعتبر الطّغاة والمتجبّرون مِن مصارع الأمم السّابقة، والأقوام الغابرة، وليعلموا أنّ لكلّ طاغيةٍ يومًا مِن أيّام الله، يكون عبرةً وموعظةً للعباد، وإنّ الجبّارين المتغطرسين، والطّواغيت المجرمين، في بلاد الشّام وغيرها، بمَن فيهم اليهود الحاقدون، الظّالمون المتجبّرون، القتلة السفّاحون، مهدّدون بتعجيل عقاب المنتقم القهّار، و تقويض حضارتهم، وفساد ممالكهم، واضمحلال أمرهم، وأمر مَن تواطأ معهم، فسنّة الله ماضيةٌ في الطّغاة والظّالمين، بالهلاك والعذاب العاجل أو الآجل {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ * هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ * وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [آل عمران: 137-140].