1- الجهاد دليل الإيمان
2- {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُم}
مقدمة:
لقد شرّفنا الله عز وجل بهذا الدِّين القويم، وجعل الإيمان عقيدةً بالجَنان، وقولًا باللّسان، ثمّ عملًا بالجوارح والأركان، وإنّما الأفعال دليل صدق الأقوال، ولا خير في أقوالٍ تخالفها الأفعال {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصّفّ: 2-3].
وإنّ ممّا يبرهن به المؤمن على صدق إيمانه، أن يُقبل على الطّاعات، ويجتنب الفواحش والمنكرات، ويقدّم رضى ربّ الأرض والسّماوات على حظوظ النّفس والشّهوات {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا * وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} [النّساء: 123-124].
فإنّ كلّ دعوى لم تقترن بدليلٍ فهي غير مسموعةٍ، ولذا برهن أهل الحقّ الأوّلون -مِن الأنصار و المهاجرين والتّابعين- على صدق إيمانهم بجهادهم الخالص، وعملهم الدّؤوب، وصبرهم العجيب، أُوذوا في سبيل الله فصبروا، وأُخرجوا مِن ديارهم بغير حقٍّ فما لانوا، وطُلب منهم أن يبذلوا أموالهم في سبيل الله فتنافسوا، ودُعوا إلى الخروج للغزوات وملاقاة الأعداء فسارعوا، ولقد كان مِن بين هذه الغزوات غزوةٌ وقعت في شهر رجب مِن السّنة التّاسعة للهجرة، الغزوة الّتي كانت مِن الأحداث الكبرى والمغازي العظمى، إنّها غزوة تبوك، الّتي كانت آخر غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يلحق بالرّفيق الأعلى، ولقد نهج المجاهدون الأبرار -في شامنا الأبيّة، وفي أرض غزّة العزّة- نهج أولئك الأصحاب الأخيار، فآثروا الله ورسوله، وركلوا بأقدامهم متاع هذه الدّار، واشتاقت قلوبهم لنعيم دار القرار، فأعدّوا العدّة، وقاوموا أعداء الأمّة؛ مِن اليهود والمنافقين، والمشركين والمتآمرين، لا يأبهون لخذلان المتخاذلين، ولا يثنيهم مكر الماكرين، بل يزدادون كلّ لحظةٍ ثقةً ويقينًا بأنّ الله سبحانه لن يخذل مَن يقوم بواجب هذا الدِّين، بل يمدّه بمدده، ويعينه بمعيته، عِنْ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (لَا يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللهِ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ)، قَالَ مُعَاذٌ: وَهُمْ بِالشَّأْمِ.
فيا لَهناءة مَن قرأ سيرة النّبيّ المختار، وتأمّل جهاد الصّحابة الأبرار، والأشاوس الأبطال، الّذين عاهدوا ربّهم على جهاد الطّغاة والمجرمين، ومقاومة اليهود الغاصبين، في الشّام وفي أرض فلسطين -بل وفي كلّ بلاد المسلمين- ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا، ثمّ سلك سبيلهم، ونهج نهجهم.
1- الجهاد دليل الإيمان
لقد شرع الله جل جلاله الجهاد لأهدافٍ نبيلةٍ، وحِكَمٍ ساميةٍ، تنبع مِن طبيعة الإسلام وروحه، حيث إنّ الإسلام دِينٌّ يدعو إلى السِّلم، لكنّه يأنف الضَّيم والظّلم، فجعل ردّ العدوان حقًّا مشروعًا، وبالجهاد في سبيل الله يستردّ النّاس حقوقهم، ويحفظون كرامتهم، ولقد كانت غزوة تبوك أكبر دليلٍ على صدق إيمان مَن خرج فيها، وإخلاصهم في بذلهم، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا أَنْ نَتَصَدَّقَ، فَوَافَقَ ذَلِكَ مَالًا عِنْدِي، فَقُلْتُ: الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا، فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟)، قُلْتُ: مِثْلَهُ، قَالَ: وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟) قَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، قُلْتُ: لَا أُسَابِقُكَ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا.
وتنافس الصّحابة في البذل حسب استطاعتهم، وفي مقدّمتهم عثمان بن عفّانٍ رضي الله عنه، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ عُثْمَانَ حِينَ حُوصِرَ، أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ: أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ، وَلَا أَنْشُدُ إِلَّا أَصْحَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَنْ حَفَرَ رُومَةَ فَلَهُ الْجَنَّةُ)، فَحَفَرْتُهَا؟ أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ قَالَ: (مَنْ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ فَلَهُ الْجَنَّةُ) فجهزته؟ قَالَ: فَصَدَّقُوهُ بِمَا قَالَ.
وفاضت عيون الفقراء مِن الدّموع لعدم مشاركتهم في هذا البذل {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} [التّوبة: 91-92].
فخرج المجاهدون لتبوك يكابدون مشقّة السّفر، ويعانون مِن قلّة الزّاد والرّاحلة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: لَمَّا كَانَ غَزْوَةُ تَبُوكَ أَصَابَ النَّاسَ مَجَاعَةٌ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، لَوْ أَذِنْتَ لَنَا فَنَحَرْنَا نَوَاضِحَنَا فَأَكَلْنَا وَادَّهَنَّا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ: (افْعَلُوا)، قَالَ: فَجَاءَ عُمَرُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنْ فَعَلْتَ قَلَّ الظَّهْرُ، وَلَكِنِ ادْعُهُمْ بِفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ، ثُمَّ ادْعُ اللهَ لَهُمْ عَلَيْهَا بِالْبَرَكَةِ لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَجْعَلَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (نَعَمْ)، قَالَ: فَدَعَا بِنِطَعٍ فَبَسَطَهُ، ثُمَّ دَعَا بِفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ، قَالَ: فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِكَفِّ ذُرَةٍ، قَالَ: وَيَجِيءُ الْآخَرُ بِكَفِّ تَمْرٍ، قَالَ: وَيَجِيءُ الْآخَرُ بِكِسْرَةٍ حَتَّى اجْتَمَعَ عَلَى النِّطَعِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ يَسِيرٌ، قَالَ: فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِ بِالْبَرَكَةِ، ثُمَّ قَالَ: (خُذُوا فِي أَوْعِيَتِكُمْ)، قَالَ: فَأَخَذُوا فِي أَوْعِيَتِهِمْ حَتَّى مَا تَرَكُوا فِي الْعَسْكَرِ وِعَاءً إِلَّا مَلَؤُوهُ، قَالَ: فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، وَفَضَلَتْ فَضْلَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، لَا يَلْقَى اللهَ بِهِمَا عَبْدٌ غَيْرَ شَاكٍّ فَيُحْجَبَ عَنِ الْجَنَّةِ).
وعذر الله عز وجل مَن لم يستطع الخروج، وكتب لهم أجر النّيّة، عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي غَزَاةٍ فَقَالَ: (إِنَّ بِالْمَدِينَةِ لَرِجَالًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ، حَبَسَهُمُ الْمَرَضُ).
فالجهاد يكشف حقيقة النّاس، ويميّز خيرهم مِن شرّهم، فيا فوز مَن جاهد في سبيل الله عز وجل، فسطّر أروع البطولات، وقدّم أعظم التّضحيات.
2- {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُم}
قال الله تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون: 1].
فقد أخبر الله جل جلاله عن هذه الشّرذمة النّتنة أنّها تدّعي الإسلام إذا جاءت النّبي صلى الله عليه وسلم، وهم في باطن الأمر على الضّدّ مِن ذلك، ولقد كان لهم في غزوة تبوك مواقف أظهرت نفاقهم وخبثهم قبل الغزوة وبعدها، حيث اعتذروا عن المشاركة في الغزوة؛ متذرّعين بأعذارٍ واهيةٍ، كخوفهم -فيما يزعمون- مِن الافتتان بنساء الرّوم، ففضحهم الله عز وجل {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} [التّوبة: 49].
وأخذوا يسخرون مِن المؤمنين، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: "لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الصَّدَقَةِ، كُنَّا نُحَامِلُ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ كَثِيرٍ، فَقَالُوا: مُرَائِي، وَجَاءَ رَجُلٌ فَتَصَدَّقَ بِصَاعٍ، فَقَالُوا: إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنْ صَاعِ هَذَا، فَنَزَلَت: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلا جُهْدَهُمْ}"
ثمّ أخذوا يخذّلون غيرهم عن الخروج للجهاد {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ} [التّوبة: 81].
وقُبيل سير جيش المسلمين بنى المنافقون مسجد الضّرار مكايدةً للمؤمنين، وطلبوا مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلّي فيه، فنهاه الله، فأحرقه النّبيّ صلى الله عليه وسلم لمّا عاد مِن تبوك {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [التّوبة: 107].
ثمّ كان مِن أقبح ما فعلوه، وأفظع ما عزموا على القيام به، أنّهم حاولوا قتل النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فعلم بكيدهم، وأمر بإبعادهم، وهكذا أهل النّفاق والخذلان في كلّ عصرٍ، دأبهم التّآمر والإرجاف، حتّى سار على نهجهم منافقو هذا الزّمن بالطّعن في المجاهدين الصّادقين وإيذائهم، ولقد كان المنافقون ولا يزالون أخطر مِن اليهود والمشركين، لأنّ خُبثهم غير ظاهرٍ لجميع النّاس، فكم مِن النّاس مَن ادّعى أنّه محبّ للمجاهدين في الشّام وفلسطين، ففضح الله كذبه ونفاقه، على اختلاف مسمّياتهم وأوصافهم، حيث كانوا يكيدون للمؤمنين، ويتربّصون بهم الدّوائر، ويبذلون أموالهم ليُخفوا صوت الحقّ، أعلنوا ذلك أو أسرّوا، ولكنّ الله عز وجل حقّق فيهم سنّته الثّابتة، وردّهم خائبين {وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ} [التّوبة: 98].
فهل مِن معتبرٍ؟
خاتمةٌ:
ما أجمل الحديث حينما يكون عن سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم العطرة، وغزواته العظيمة! فيستذكر المسلم شيئًا مِن صبر نبيّنا صلى الله عليه وسلم وجهاده، وتضحياته وثباته، وكذا صحابته الكرام، لِنحسن الاقتداء بهم، ولقد كان حديثنا اليوم عن غزوة تبوك، الّتي بقي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قرابة شهرٍ، ثمّ عاد للمدينة منتصرًا مظفَّرًا هو وصحابته الأخيار، فذهبت مشقّة الجهاد والسّفر عنهم، وثبت الأجر لهم، كما بقي الوزر ثابتًا في صحائف المنافقين والمرجفين، و قد كانت غزوة تبوك أوّل مواجهةٍ عسكريّةٍ مع الرّوم على حدود الجزيرة العربيّة، مهّدت لحركة الفتوحات في عهد الخلفاء الرّاشدين، وهكذا استمرّ المجاهدون يسطّرون أروع البطولات في كلّ زمانٍ، حتّى رأينا بلاد الشّام زاخرةً بالرّجال الأفذاذ الّذين باعوا أنفسهم لله سبحانه {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} [التّوبة: 111].
فسار المجاهدون بهمّةٍ وعزيمةٍ قويّةٍ، غير ملتفتين إلى أهل النّفاق والخذلان، الّذين طعنوا في أعراضهم، وشكّكوا في صدقهم طيلة أيّام عدوان اليهود، وطغيان المجرمين على غزّة والشّام، دون خوفٍ مِن خالقٍ، أو حياءٍ من مخلوقٍ {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌإ} [النّور: 15].
ولكنّ الله سبحانه أتمّ كرمه لهم بنصره، ودحْر عدوّهم، وانسحابهم خائبين مخذولين، بعدما ظنّوا أنّ قوّتهم لا تُقهر، وأنّ جيشهم لا يُهزم، متجاهلين عظمة القويّ المتين، ومدده لجنده الصّادقين {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف: 21].
فما على المؤمنين -اليوم- إلّا أن يواصلوا طريق الجهاد، ويخلصوا دِينهم لله، ويكونوا صفًّا واحدًا في وجه أعداء الله، موقنين أنّ الله كتب العزّة والقوّة لهذه الأمّة مادامت متمسّكةً بدِينها {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139].
كما على المسلمين أن ينظّفوا صفّهم مِن المنافقين المرجفين، فلا يأتي الضّعف إلّا منهم، ولا تحدث الفرقة إلّا مِن قبلهم {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} [التّوبة: 47].