السبت 21 شوّال 1446 هـ الموافق 19 أبريل 2025 م
ثباتٌ وعزيمةٌ، ومقاوَمةٌ حكيمة
الأربعاء 18 شوّال 1446 هـ الموافق 16 أبريل 2025 م
عدد الزيارات : 293
عناصر المادة
1- لمَ نعطِ الدَّنيَّة؟
2- مِسْعَرَ حربٍ
مقدمة:
نصب الحقّ جل جلاله لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوةً؛ إذ قال {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21].
لذا علينا أن نرجع إلى سنّته وسيرته مرارًا حتّى نفيد منها ما ينير لنا طريقنا في شأننا العامّ والخاصّ.
وفي شأننا العامّ اليوم خطوبٌ عظامٌ، ومسائل جسامٌ، يحار معها ذوو الألباب، فإذا يمّمت وجهك شطر غزّة رأيت أهوالًا وقصفًا وموتًا بلا نصيرٍ مِن قريبٍ أو بعيدٍ، إلّا ما نسمعه مِن دعاءٍ هنا وتكبيرٍ هناك، مع عدم التّقليل مِن شأن الدّعاء والتّكبير، لكنّ المأمول مِن أمّةٍ شبّهها نبيّها صلى الله عليه وسلم بالجسد الواحد أن تقدّم ما هو فوق الدّعاء والتّكبير، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى). صحيح مسلمٍ: 2586
أمّةٌ أوجب عليها نبيّها صلى الله عليه وسلم التّناصر والتّعاضد، وحرّم عليها أن يُسلم المسلم أخاه؛ عن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ). صحيح البخاريّ: 2442
وفي الشأن العامّ توغّلٌ غاشمٌ جنوب بلادنا، يقوم به العدوّ الّذي يقتل إخواننا في غزّة، وهبّاتٌ شعبيّةٌ مباركةٌ تتصدّى له، فما الّذي نجده في سيرة النّبيّ صلى الله عليه وسلم حيال ذلك؟
1- لمَ نعطِ الدَّنيَّة؟
رؤيا لطيفةٌ لا يشعر بها أقرب النّاس، إلى النّائم تتسلّل في الظّلام الدّامس، لا يراها إلّا صاحب الشّأن، يمكن لها أن تغيّر مسار الأحداث في جزيرة العرب، خاصّةً إذا علمنا أنّ الرّائي نبيٌّ مِن أنبياء الله، وقد علمنا أنّ رؤيا الأنبياء وحيٌ، بموجبها أضجع الخليل ابنه للذّبح، وبموجبها استنهض رسول الحقّ صلى الله عليه وسلم أصحابه إلى مكّة لتأدية مناسك العمرة {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: 27].
عَنِ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ رضي الله عنه، وَمَرْوَانَ بْنِ الحَكَمِ رضي الله عنه، يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ قَالاَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَامَ الحُدَيْبِيَةِ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةً مِنْ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا أَتَى ذَا الحُلَيْفَةِ، قَلَّدَ الهَدْيَ وَأَشْعَرَهُ وَأَحْرَمَ مِنْهَا بِعُمْرَةٍ، وَبَعَثَ عَيْنًا لَهُ مِنْ خُزَاعَةَ، وَسَارَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى كَانَ بِغَدِيرِ الأَشْطَاطِ أَتَاهُ عَيْنُهُ، قَالَ: إِنَّ قُرَيْشًا جَمَعُوا لَكَ جُمُوعًا، وَقَدْ جَمَعُوا لَكَ الأَحَابِيشَ، وَهُمْ مُقَاتِلُوكَ، وَصَادُّوكَ عَنِ البَيْتِ، وَمَانِعُوكَ، فَقَالَ: (أَشِيرُوا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيَّ، أَتَرَوْنَ أَنْ أَمِيلَ إِلَى عِيَالِهِمْ وَذَرَارِيِّ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَصُدُّونَا عَنِ البَيْتِ، فَإِنْ يَأْتُونَا كَانَ اللَّهُ عز وجل قَدْ قَطَعَ عَيْنًا مِنَ المُشْرِكِينَ، وَإِلَّا تَرَكْنَاهُمْ مَحْرُوبِينَ)، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، خَرَجْتَ عَامِدًا لِهَذَا البَيْتِ، لاَ تُرِيدُ قَتْلَ أَحَدٍ، وَلاَ حَرْبَ أَحَدٍ، فَتَوَجَّهْ لَهُ، فَمَنْ صَدَّنَا عَنْهُ قَاتَلْنَاهُ، قَالَ: (امْضُوا عَلَى اسْمِ اللَّهِ). صحيح البخاريّ: 4178
وقد قدّر الله عز وجل في ذلك اليوم الصّلح ولم يقدّر حربًا، فأرسلت قريش وفودها ومفاوضيها حتّى جاء سهيل بن عمرٍو، ولَمَّا كَاتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ عَلَى قَضِيَّةِ المُدَّةِ، وَكَانَ فِيمَا اشْتَرَطَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو أَنَّهُ قَالَ: لاَ يَأْتِيكَ مِنَّا أَحَدٌ، وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا، وَخَلَّيْتَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، وَأَبَى سُهَيْلٌ أَنْ يُقَاضِيَ رَسُولَ اللَّهِ عز وجل إِلَّا عَلَى ذَلِكَ، فَكَرِهَ المُؤْمِنُونَ ذَلِكَ وَامَّعَضُوا، فَتَكَلَّمُوا فِيهِ، فَلَمَّا أَبَى سُهَيْلٌ أَنْ يُقَاضِيَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا عَلَى ذَلِكَ، كَاتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبَا جَنْدَلِ بْنَ سُهَيْلٍ يَوْمَئِذٍ إِلَى أَبِيهِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَلَمْ يَأْتِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحَدٌ مِنَ الرِّجَالِ إِلَّا رَدَّهُ فِي تِلْكَ المُدَّةِ، وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا، وَجَاءَتِ المُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ، فَكَانَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ مِمَّنْ خَرَجَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهِيَ عَاتِقٌ، فَجَاءَ أَهْلُهَا يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَرْجِعَهَا إِلَيْهِمْ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي المُؤْمِنَاتِ مَا أَنْزَلَ. صحيح البخاريّ: 4180
لقد كره الصّحابة البند الّذي ينصّ على إعادة المسلم إلى الكفّار حتّى قالوا: لِم نُعط الدّنيّة في دِيننا؟ ومنه نتعلّم أنّ القائد ينظر في المصلحة لا يلتفت لعواطف الجمهور، فالجمهور قد يتأذى نفسيًّا ممّا يقرّره القائد بعقله وحكمته، ولنرجع إلى السّيرة فننظر كيف كانت نهاية هذا الأمر؟
2- مِسْعَرَ حربٍ
يتعيّن على القائد دائمًا أن يكون بعيد النّظر، مراعيًا لمصلحة المجموع، فالمصلحة العامّة مقدّمةٌ على المصلحة الخاصّة، لا شكّ أن مِن مصلحة أبي جندلٍ العاجلة أن يضمّه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسلمين في المدينة المنوّرة، لكنّ ذلك سيُلحق بالصّلح الّذي يبرمه النّبيّ صلى الله عليه وسلم مع الكفّار ضررًا يهدّد بإنهاء الصُّلح برمّته، فَبَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَكْتُبُ الْكِتَابَ إِذْ جَاءَهُ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو فِي الْحَدِيدِ، قَدِ انْفَلَتَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: وَقَدْ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجُوا وَهُمْ لَا يَشُكُّونَ فِي الْفَتْحِ لِرُؤْيَا رَآهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا رَأَوْا مَا رَأَوْا مِنَ الصُّلْحِ وَالرُّجُوعِ، وَمَا تَحَمَّلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى نَفْسِهِ، دَخَلَ النَّاسَ مِنْ ذَلِكَ أَمْرٌ عَظِيمٌ حَتَّى كَادُوا أَنْ يَهْلَكُوا، فَلَمَّا رَأَى سُهَيْلٌ أَبَا جَنْدَلٍ، قَامَ إِلَيْهِ، فَضَرَبَ وَجْهَهُ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، قَدْ لُجَّتِ الْقَضِيَّةُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكَ هَذَا، قَالَ: (صَدَقْتَ)، فَقَامَ إِلَيْهِ، فَأَخَذَ بِتَلْبِيبِهِ، قَالَ: وَصَرَخَ أَبُو جَنْدَلٍ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ، أَتَرُدُّونَنِي إِلَى أَهْلِ الشِّرْكِ، فَيَفْتِنُونِي فِي دِينِي، قَالَ: فَزَادَ النَّاسُ شَرًّا إِلَى مَا بِهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (يَا أَبَا جَنْدَلٍ: اصْبِرْ وَاحْتَسِبْ، فَإِنَّ اللهَ جل جلاله جَاعِلٌ لَكَ وَلِمَنْ مَعَكَ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ فَرَجًا وَمَخْرَجًا، إِنَّا قَدْ عَقَدْنَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ صُلْحًا، فَأَعْطَيْنَاهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَأَعْطَوْنَا عَلَيْهِ عَهْدًا، وَإِنَّا لَنْ نَغْدِرَ بِهِمْ) قَالَ: فَوَثَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مَعَ أَبِي جَنْدَلٍ، فَجَعَلَ يَمْشِي إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَقُولُ: اصْبِرْ أَبَا جَنْدَلٍ، فَإِنَّمَا هُمُ الْمُشْرِكُونَ، وَإِنَّمَا دَمُ أَحَدِهِمْ دَمُ كَلْبٍ، قَالَ: وَيُدْنِي قَائِمَ السَّيْفِ مِنْهُ، قَالَ: يَقُولُ: رَجَوْتُ أَنْ يَأْخُذَ السَّيْفَ، فَيَضْرِبَ بِهِ أَبَاهُ، قَالَ: فَضَنَّ الرَّجُلُ بِأَبِيهِ، وَنَفَذَتِ الْقَضِيَّةُ. مسند أحمد: 18910
ثُمَّ رَجَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى المَدِينَةِ، فَجَاءَهُ أَبُو بَصِيرٍ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَهُوَ مُسْلِمٌ، فَأَرْسَلُوا فِي طَلَبِهِ رَجُلَيْنِ، فَقَالُوا: العَهْدَ الَّذِي جَعَلْتَ لَنَا، فَدَفَعَهُ إِلَى الرَّجُلَيْنِ، فَخَرَجَا بِهِ حَتَّى بَلَغَا ذَا الحُلَيْفَةِ، فَنَزَلُوا يَأْكُلُونَ مِنْ تَمْرٍ لَهُمْ، فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَى سَيْفَكَ هَذَا يَا فُلاَنُ جَيِّدًا، فَاسْتَلَّهُ الآخَرُ، فَقَالَ: أَجَلْ، وَاللَّهِ إِنَّهُ لَجَيِّدٌ، لَقَدْ جَرَّبْتُ بِهِ، ثُمَّ جَرَّبْتُ، فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ: أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْهِ، فَأَمْكَنَهُ مِنْهُ، فَضَرَبَهُ حَتَّى بَرَدَ، وَفَرَّ الآخَرُ حَتَّى أَتَى المَدِينَةَ، فَدَخَلَ المَسْجِدَ يَعْدُو، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ رَآهُ: (لَقَدْ رَأَى هَذَا ذُعْرًا) فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: قُتِلَ وَاللَّهِ صَاحِبِي وَإِنِّي لَمَقْتُولٌ، فَجَاءَ أَبُو بَصِيرٍ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، قَدْ وَاللَّهِ أَوْفَى اللَّهُ ذِمَّتَكَ، قَدْ رَدَدْتَنِي إِلَيْهِمْ، ثُمَّ أَنْجَانِي اللَّهُ مِنْهُمْ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (وَيْلُ أُمِّهِ مِسْعَرَ حَرْبٍ، لَوْ كَانَ لَهُ أَحَدٌ) فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ عَرَفَ أَنَّهُ سَيَرُدُّهُ إِلَيْهِمْ، فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى سِيفَ البَحْرِ، قَالَ: وَيَنْفَلِتُ مِنْهُمْ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلٍ، فَلَحِقَ بِأَبِي بَصِيرٍ، فَجَعَلَ لاَ يَخْرُجُ مِنْ قُرَيْشٍ رَجُلٌ قَدْ أَسْلَمَ إِلَّا لَحِقَ بِأَبِي بَصِيرٍ، حَتَّى اجْتَمَعَتْ مِنْهُمْ عِصَابَةٌ، فَوَاللَّهِ مَا يَسْمَعُونَ بِعِيرٍ خَرَجَتْ لِقُرَيْشٍ إِلَى الشَّأْمِ إِلَّا اعْتَرَضُوا لَهَا، فَقَتَلُوهُمْ وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ، فَأَرْسَلَتْ قُرَيْشٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تُنَاشِدُهُ بِاللَّهِ وَالرَّحِمِ، لَمَّا أَرْسَلَ، فَمَنْ أَتَاهُ فَهُوَ آمِنٌ، فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِمْ. صحيح البخاري: 2731
فتأمّل كيف صارت الأمور إلى خيرٍ.
خاتمةٌ:
تكبّل الدّولَ أحيانًا الاتّفاقاتُ الّتي يبرمها الحكّام لمصلحة الجماعة المسلمة، ومِن المهمّ هنا التّأكيد على أنّ المطلوب عند إبرام الحاكم المسلم للصّلح أن يكون فيه المصلحة العامّة، لا أن تكون فيه مصلحة الحاكم فيقدّم الضّمانات للكفّار أنّه لن يتعرّض لهم في مقابل إبقائهم له على كرسيّه، فإذا ما رأى الحاكم الخير في صلحٍ ثمّ أبرمه لزمه الصّلح؛ فلا ينقضه إلّا أن يخالف الصّلح الوحي.
لكنّ هذا الّذي يكبّل الدّولة المسلمة لا يلزم الأفراد دائمًا، فهذا أبو جندلٍ وأبو بصيرٍ لمّا لحقا بسيف البحر لم يكونا داخلين في الصّلح، فجاز لهما أن يُلحقا النّكاية بالكفُار في فترةٍ لا يمكن للجيش المسلم الموجود في المدينة المنوّرة أن يتحرّك لهذا الغرض، بل إنّهم شكّلوا نواةً لتجمّعٍ أكبر، التحق به كلّ راغبٍ بالمقاومة فارٍّ مِن الكفّار بدِينه، فتأمّل بُعد نظر النّبيّ صلى الله عليه وسلم؛ قال سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ رضي الله عنه: "اتَّهِمُوا الرَّأْيَ، فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمَ أَبِي جَنْدَلٍ وَلَوْ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرُدَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمْرَهُ لَرَدَدْتُ، وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ". صحيح البخاريّ: 4189
فإذا توغّل العدوّ في جنوب البلاد فقد تتلكّأ الدّولة في التّحرّك للدّفاع لما ترى مِن أخطارٍ داخليّة محدقةٍ في جبال السّاحل وفي السّويداء وفي الجزيرة بين النّهرين، فإذا قدّرتْ عدم الدّخول في حربٍ رسميّةٍ لتقديراتٍ تراها فهذا لا يعني ألّا يضع الأهالي الخطط لمقاومة التّوغّل القادم، فيصونوا الأرض والعِرض، وينتصروا لغزّة الكليمة.
هذا وإنّ الهبّات العفويّة العشوائيّة فيها ضررٌ إذا جاءت في مقابلة عدوٍّ متجهّزٍ بأحدث السّلاح مِن مناظير ليليّةٍ حراريّةٍ وطائراتٍ مسيّرةٍ وسوى ذلك، لذا يجدر التّخطيط وأخذ الحذر {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا} [النّساء: 71]، {ثُبَاتٍ}: جماعات متفرّقة، {أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا}: مجتمعين كوكبةً واحدةً. تفسير البيضاوي: 2/83
 
1 - صحيح مسلمٍ: 2586
2 - صحيح البخاريّ: 2442
3 - صحيح البخاريّ: 4178
4 - صحيح البخاريّ: 4180
5 - مسند أحمد: 18910
6 - صحيح البخاري: 2731
7 - صحيح البخاريّ: 4189
دور الخطباء في سوريا ؟!
دور فعال ومؤثر (صوتأ 121) 81%
غير فعال (صوتأ 27) 18%
لا أدري (صوتأ 2) 1%
تاريخ البداية : 26 ديسمبر 2013 م عدد الأصوات الكلي : 150