الأربعاء 25 ربيع الأول 1447 هـ الموافق 17 سبتمبر 2025 م
الخير الوفير في الفجر والتَّبكير
الأربعاء 25 ربيع الأول 1447 هـ الموافق 17 سبتمبر 2025 م
عدد الزيارات : 49
الخير الوفير في الفجر والتَّبكير
عناصر المادة
1- خير بدايةٍ
2- عُقد الشَّيطان
3- الفجر في السِّيرة العَطرة
مقدمة:
قسّم الله الزّمن إلى سنواتٍ وشهورٍ وأيّامٍ، وقسّم اليوم إلى أقسامٍ، وأقسم بأجزاء اليوم، وممّا أقسم به: الصّبح {كَلَّا وَالْقَمَرِ * وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ * وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ * إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ} [المدّثر: 32-35].
{فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ * وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ * وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} [التّكوير: 15-19].
فالصّبح في شريعتنا زمنٌ له أهمّيّته ومزيّته، يستعدّ المرء له مِن قبل أن ينام، عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (يَا فُلاَنُ إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَقُلْ: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ، وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ، فَإِنَّكَ إِنْ مُتَّ فِي لَيْلَتِكَ مُتَّ عَلَى الفِطْرَةِ، وَإِنْ أَصْبَحْتَ أَصَبْتَ أَجْرًا). صحيح البخاريّ: 7488
ومَن أراد أن يُكتب له قيام اللّيل كاملًا فليحرص على الاستيقاظ مبكّرًا، ليبدأ يومه في المسجد، عن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي عَمْرَةَ، قَالَ: دَخَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ الْمَسْجِدَ بَعْدَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ، فَقَعَدَ وَحْدَهُ، فَقَعَدْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ، يَا ابْنَ أَخِي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ). صحيح مسلمٍ: 656
1- خير بدايةٍ
ليس أفضل مِن صلاة الفجر يفتتح بها المؤمن يومه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاَةِ الفَجْرِ وَصَلاَةِ العَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ). صحيح البخاريّ: 555
وعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَنْ صَلَّى البَرْدَيْنِ دَخَلَ الجَنَّةَ). صحيح البخاريّ: 574 «البَرْدَيْنِ»: صلاة الفجر وصلاة العصر، سميّا بذلك لأنّهما يُفعلان في بردي النّهار؛ وهما طرفاه، حين يطيب الهواء
وانظر حرص سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ رضي الله عنه على صلاة الفجر في جماعةٍ، يَقُولُ: "كُنْتُ أَتَسَحَّرُ فِي أَهْلِي، ثُمَّ يَكُونُ سُرْعَةٌ بِي، أَنْ أُدْرِكَ صَلاَةَ الفَجْرِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم". صحيح البخاريّ: 577
مَن أراد رؤية ربّه فليحرص على هذا التبكير، قَالَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ نَظَرَ إِلَى القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، فَقَالَ: (أَمَا إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا، لاَ تُضَامُّونَ -أَوْ لاَ تُضَاهُونَ- فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لاَ تُغْلَبُوا عَلَى صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا، فَافْعَلُوا) ثُمَّ قَالَ: (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا). صحيح البخاريّ: 573
لم تكن صلاة الفجر حكرًا على الرّجال، وهذا يحمّل "كُنَّ نِسَاءُ المُؤْمِنَاتِ يَشْهَدْنَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلاَةَ الفَجْرِ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ، ثُمَّ يَنْقَلِبْنَ إِلَى بُيُوتِهِنَّ حِينَ يَقْضِينَ الصَّلاَةَ، لاَ يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الغَلَسِ". صحيح البخاريّ: 578
ومِن فضل صلاة الفجر أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (تَفْضُلُ صَلاَةُ الجَمِيعِ صَلاَةَ أَحَدِكُمْ وَحْدَهُ، بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا، وَتَجْتَمِعُ مَلاَئِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةُ النَّهَارِ فِي صَلاَةِ الفَجْرِ). صحيح البخاريّ: 648
ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {إِنَّ قُرْآنَ الفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78].
2- عُقد الشَّيطان
قد يعرض للمؤمن أن يتأخّر ويتخلّف عن صلاة الجماعة فجرًا، فإن كان ذلك فقد حدّت الشّريعة زمنًا لنهاية وقت الفجر، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصُّبْحِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ، وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ العَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَدْرَكَ العَصْرَ). صحيح البخاريّ: 579
أمّا أن يظلّ نائمًا حتّى تفوته صلاة الفجر، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه، قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ، فَقِيلَ: مَا زَالَ نَائِمًا حَتَّى أَصْبَحَ، مَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ، فَقَالَ: (بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنِهِ). صحيح البخاريّ: 1144 (مَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ): صلاة الفجر أو مطلق الصّلاة، «بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنِهِ»: قيل هو على الحقيقة أي بال فعلًا، وقيل هو المجاز والمراد تثقيله نومه وانقياده له وتحكّمه فيه، ثمّ إنّه لا يلزم مِن كلّ مَن فاتته صلاة الفجر أن يكون الشّيطان بال في أذنه، فربّ نائمٍ لعذرٍ قاهرٍ
والنّشاط قرين صلاة الفجر، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: (يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ ثَلَاثَ عُقَدٍ إِذَا نَامَ، بِكُلِّ عُقْدَةٍ يَضْرِبُ عَلَيْكَ لَيْلًا طَوِيلًا، فَإِذَا اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، وَإِذَا تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عَنْهُ عُقْدَتَانِ، فَإِذَا صَلَّى انْحَلَّتِ الْعُقَدُ، فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ). صحيح مسلمٍ: 776
فإذا صلّى المرء في المسجد يجلس فيه يذكر الله حتّى تطلع الشّمس، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ رضي الله عنه، قَالَ: قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: أَكُنْتَ تُجَالِسُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: نَعَمْ كَثِيرًا، (كَانَ لَا يَقُومُ مِنْ مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الصُّبْحَ، أَوِ الْغَدَاةَ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ قَامَ، وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ فَيَأْخُذُونَ فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَيَضْحَكُونَ وَيَتَبَسَّمُ). صحيح مسلمٍ: 670
فإذا طلعت الشّمس طلع المؤمن مِن مسجده كالشّمس يسأل الله مِن فضله، عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ، فَلْيَقُلْ: اللهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَإِذَا خَرَجَ، فَلْيَقُلْ: اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ). صحيح مسلمٍ: 713
فما هو فضل الله؟ الرزق مِن فضل الله، كما ورد في آية الجمعة {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة: 10].
هذا هو البكور المبارك عَنْ صَخْرٍ الْغَامِدِيِّ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا)، وَكَانَ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً أَوْ جَيْشًا بَعَثَهُمْ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ (وَكَانَ صَخْرٌ رَجُلًا تَاجِرًا، وَكَانَ يَبْعَثُ تِجَارَتَهُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ فَأَثْرَى وَكَثُرَ مَالُهُ). سنن أبي داود: 2606
وقد كره العلماء نومة الضّحى "نَوْمَةُ الضُّحَى، تَشْغَلُ عَنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ". زاد المعاد في هدي خير العباد: 4/221
3- الفجر في السِّيرة العَطرة
حدّث الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَبُوكَ قَالَ: الْمُغِيرَةُ فَحَمَلْتُ مَعَهُ إِدَاوَةً قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ، فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَيَّ أَخَذْتُ أُهَرِيقُ عَلَى يَدَيْهِ مِنَ الْإِدَاوَةِ، ثُمَّ أَقْبَلَ، قَالَ الْمُغِيرَةُ: فَأَقْبَلْتُ مَعَهُ حَتَّى نَجِدُ النَّاسَ قَدْ قَدَّمُوا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، فَصَلَّى لَهُمْ، فَأَدْرَكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ، فَصَلَّى مَعَ النَّاسِ الرَّكْعَةَ الْآخِرَةَ، فَلَمَّا سَلَّمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ قَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُتِمُّ صَلَاتَهُ، فَأَفْزَعَ ذَلِكَ الْمُسْلِمِينَ، فَأَكْثَرُوا التَّسْبِيحَ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَلَاتَهُ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ ثُمَّ قَالَ: (أَحْسَنْتُمْ) أَوْ قَالَ: (قَدْ أَصَبْتُمْ) يَغْبِطُهُمْ أَنْ صَلَّوُا الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا. صحيح مسلمٍ: 274
فتأمّل فيم غبط.
وها هم إخوانكم مِن الجنّ ينتفعون بما سمعوا مِن قرآن الفجر، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه، قَالَ: انْطَلَقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ، وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمُ الشُّهُبُ، فَرَجَعَتِ الشَّيَاطِينُ إِلَى قَوْمِهِمْ، فَقَالُوا: مَا لَكُمْ؟ فَقَالُوا: حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُبُ، قَالُوا: مَا حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ إِلَّا شَيْءٌ حَدَثَ، فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا، فَانْظُرُوا مَا هَذَا الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، فَانْصَرَفَ أُولَئِكَ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا نَحْوَ تِهَامَةَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِنَخْلَةَ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ، وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلاَةَ الفَجْرِ، فَلَمَّا سَمِعُوا القُرْآنَ اسْتَمَعُوا لَهُ، فَقَالُوا: هَذَا وَاللَّهِ الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، فَهُنَالِكَ حِينَ رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ، وَقَالُوا: يَا قَوْمَنَا: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا، يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ، فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا} [الجنّ: 2]، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الجِنِّ} [الجنّ: 1]). صحيح البخاريّ: 773
وورد في السّيرة أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الجَرَّاحِ إِلَى البَحْرَيْنِ يَأْتِي بِجِزْيَتِهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ صَالَحَ أَهْلَ البَحْرَيْنِ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمُ العَلاَءَ بْنَ الحَضْرَمِيِّ، فَقَدِمَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِمَالٍ مِنَ البَحْرَيْنِ، فَسَمِعَتِ الأَنْصَارُ بِقُدُومِ أَبِي عُبَيْدَةَ، فَوَافَوْا صَلاَةَ الفَجْرِ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا انْصَرَفَ تَعَرَّضُوا لَهُ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ رَآهُمْ، ثُمَّ قَالَ: (أَظُنُّكُمْ سَمِعْتُمْ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَدِمَ بِشَيْءٍ) قَالُوا: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: (فَأَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ، فَوَاللَّهِ مَا الفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ). صحيح البخاريّ: 4015
فانظر في هذا الرّزق الطّيب ساقه الله لعباده فجرًا.
خاتمةٌ:
قال ابن القيّم رحمه الله: "وَمِنَ الْمَكْرُوهِ عِنْدَهُمُ النَّوْمُ بَيْنَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَطُلُوعِ الشَّمْسِ، فَإِنَّهُ وَقْتُ غَنِيمَةٍ، وَلِلسَّيْرِ ذَلِكَ الْوَقْتَ عِنْدَ السَّالِكِينَ مَزِيَّةٌ عَظِيمَةٌ، حَتَّى لَوْ سَارُوا طُولَ لَيْلِهِمْ لَمْ يَسْمَحُوا بِالْقُعُودِ عَنِ السَّيْرِ ذَلِكَ الْوَقْتَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَإِنَّهُ أَوَّلُ النَّهَارِ وَمِفْتَاحُهُ، وَوَقْتُ نُزُولِ الْأَرْزَاقِ، وَحُصُولِ الْقَسْمِ، وَحُلُولِ الْبَرَكَةِ، وَمِنْهُ يَنْشَأُ النَّهَارُ، وَيَنْسَحِبُ حُكْمُ جَمِيعِهِ عَلَى حُكْمِ تِلْكَ الْحِصَّةِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ نَوْمُهَا كَنَوْمِ الْمُضْطَرِّ". مدارج السّالكين بين منازل إيّاك نعبد وإيّاك نستعين: 1/457
برنامج المؤمن اليوميّ المستحبّ مرسومٌ، يصلّي العشاء في جماعةٍ، ثمّ لا يسهر إلّا لغرضٍ مشروعٍ؛ كمؤانسة الزّوجة، فإذا كان السّحر استيقظ فصلّى التهجّد، ثمّ الفجر في جماعةٍ، يَقُولُ جُنْدَب بْن عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللهِ، فَلَا يَطْلُبَنَّكُمُ اللهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ فَيُدْرِكَهُ فَيَكُبَّهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ). صحيح مسلمٍ: 657. «فِي ذِمَّةِ اللهِ»: قيل الذّمّة هنا الضّمان، وقيل هي الأمان
ثمّ يبقى في المسجد حتّى تطلع الشّمس، ثمّ يبدأ الإنفاق وتروج الأسواق، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللهُمَّ، أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الْآخَرُ: اللهُمَّ، أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا). صحيح مسلمٍ: 1010. قال العلماء: هذا في الإنفاق في الطّاعات ومكارم الأخلاق وعلى العيال والضّيفان والصّدقات ونحو ذلك، بحيث لا يُذمّ ولا يُسمّى سرفًا، والإمساك المذموم هو الإمساك عن هذا
ثم يستعين على ذلك بقيلولةٍ في النّهار، معرضًا عن نوم أوّل الضّحى.
أَلَا إِنَّ نَوْمَاتِ الضُّحَى تُورِثُ الْفَتَى    خَبَالًا وَنَوْمَاتُ الْعُصَيْرِ جُنُونُ
"وَنَوْمُ الصُّبْحَةِ يَمْنَعُ الرِّزْقَ، لِأَنَّ ذَلِكَ وَقْتٌ تَطْلُبُ فِيهِ الْخَلِيقَةُ أَرْزَاقَهَا، وَهُوَ وَقْتُ قِسْمَةِ الْأَرْزَاقِ، فَنَوْمُهُ حِرْمَانٌ إِلَّا لِعَارِضٍ أَوْ ضَرُورَةٍ". الطّبّ النّبويّ لابن القيّم: ص181
لنحترم جعْل الله، فلا نجعل المعاش ليلًا والسّبات نهارًا، فقد جعل ما جعل لحكمةٍ {وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا * وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا} [النّبأ: 9-11].
 
1 - صحيح البخاريّ: 7488
2 - صحيح مسلمٍ: 656
3 - صحيح البخاريّ: 555
4 - صحيح البخاريّ: 574 �البَرْدَيْنِ�: صلاة الفجر وصلاة العصر، سميّا بذلك لأنّهما يُفعلان في بردي النّهار؛ وهما طرفاه، حين يطيب الهواء
5 - صحيح البخاريّ: 577
6 - صحيح البخاريّ: 573
7 - صحيح البخاريّ: 578
8 - صحيح البخاريّ: 648
9 - صحيح البخاريّ: 579
10 - صحيح البخاريّ: 1144 (مَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ): صلاة الفجر أو مطلق الصّلاة، �بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنِهِ�: قيل هو على الحقيقة أي بال فعلًا، وقيل هو المجاز والمراد تثقيله نومه وانقياده له وتحكّمه فيه، ثمّ إنّه لا يلزم مِن كلّ مَن فاتته صلاة الفجر أن يكون الشّيطان بال في أذنه، فربّ نائمٍ لعذرٍ قاهرٍ
11 - صحيح مسلمٍ: 776
12 - صحيح مسلمٍ: 670
13 - صحيح مسلمٍ: 713
14 - سنن أبي داود: 2606
15 - زاد المعاد في هدي خير العباد: 4/221
16 - صحيح مسلمٍ: 274
17 - صحيح البخاريّ: 773
18 - صحيح البخاريّ: 4015
19 - مدارج السّالكين بين منازل إيّاك نعبد وإيّاك نستعين: 1/457
20 - صحيح مسلمٍ: 657. �فِي ذِمَّةِ اللهِ�: قيل الذّمّة هنا الضّمان، وقيل هي الأمان
21 - صحيح مسلمٍ: 1010. قال العلماء: هذا في الإنفاق في الطّاعات ومكارم الأخلاق وعلى العيال والضّيفان والصّدقات ونحو ذلك، بحيث لا يُذمّ ولا يُسمّى سرفًا، والإمساك المذموم هو الإمساك عن هذا
22 - الطّبّ النّبويّ لابن القيّم: ص181
دور الخطباء في سوريا ؟!
دور فعال ومؤثر (صوتأ 125) 81%
غير فعال (صوتأ 27) 18%
لا أدري (صوتأ 2) 1%
تاريخ البداية : 26 ديسمبر 2013 م عدد الأصوات الكلي : 154