( الدعاء والذكر )
الخطبة السابعة من سلسلة من أخلاقنا في الجهاد
مقدمة:
حين يستند الغني إلى ماله، ويعتمد القوي على بطشه، ويركن صاحب الجاه إلى نفوذه وسلطانه، فإن المؤمن يطرح كل هذه القوى بعيداً ويستند إلى ربها وموجدها ويأوي إلى ركن شديد داعياً ربه متضرعاً إليه.
وحين تحلُّ النكبة، وتستحكم البلية، وتتكسر النِّصال على النِّصال، وتكون ظلماتٌ بعضها فوق بعض, فلا يملك المؤمن إلا أن يطرح ضعفه بين يدي ربه القوي الجبار.
وحين تسلكُ الطرقَ فتجدها قد سدت، وتطرقُ الأبوابَ فتجدها قد أوصدت، وتطلب العون من أهل العون فما ثمَّ إلا عاجزٌ أو جبان، فاعلم أنه إنما سدَّ عليك الأبواب كلها لتطرقَ بابَه، وقطع عنك الحبال كلها لتعتصم بحبله، وأنه اشتاق لأن يسمع منك الدعاء والتضرع والمناجاة.
ولعمر الله كيف يشعر العبد بقرب ربه منه وبقربه من ربه إذا لم يدعه ويناجه ويطلب منه ويبث همومه وأشجانه بين يديه.
(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة 186)
(..وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (الأعراف 56)
وتأمل هذه الآية، دعاء فاستجابة فاستخلاف: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) (النمل 62)
يقول ابن القيم رحمه الله: ( دخلت على الله من أبواب الطاعات كلها، فما دخلت من باب إلا رأيت عليه الزحام، فلم أتمكن من الدخول حتى جئت باب الذل والافتقار، فإذا هو أقرب باب إليه واوسعه ولا مزاحم فيه ولا معوق، فما هو إلا أن وضعت قدمي في عتبته فإذا هو سبحانه قد أخذ بيدي وأدخلني عليه) (تهذيب مدارج السالكين/229)
عناصر الخطبة:
أولا- الدعاء:
أ- الدعاء من أسباب الثبات.
ب- حال أصحاب الأنبياء في الجهاد.
جـ- حال النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر.
د- حال النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق.
هـ- الدعاء عند القتال لا يُردُّ.
و - تأثير المعاصي.
ثانيا - الذكر:
أ- الصوت في المعركة يؤثر في العدوِّ.
ب - المسلمون سيفتحون القسطنطينية بالتهليل والتكبير.
أولاً- الدعاء:
أ-الدعاء من أسباب الثبات:
قال تعالى:(وَلَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ * فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ...)(البقرة 250 – 251)
ولا شك أن الدعاء والتوجه إلى الله - تعالى - في مثل هذه الحال مما يزيد المؤمنَ المجاهدَ قوةً وعزيمةً ومصابرةً للشدائدِ.(تفسير المنار 4/142)
وخاصة إن كان العددُ قليلاً، كما كان حزب الإيمان من أصحاب طالوت في هذه الآية.( انظر تفسير ابن كثير 1/669 )
فكيف لو اجتمع قلةُ العدد مع قلةِ الناصرِ مع كثرةِ الخاذلِ مع قوةِ العدوِّ؟!
ب- حال أصحاب الأنبياء في الجهاد:
وهذا ما أرشد الله إليه المسلمين في غزوة أحد وقد أصابهم ما أصابهم، فضرب لهم مثل الأنبياء السابقين ومن قاتل معهم، وكيف صبروا على ما أصابهم في سبيل الله وماذا كان قولُهم؟ فقال تعالى:
(وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ *وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ * فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * ) (آل عمران 146 – 148)
فكأن الله يقول لهم: [فهلا فعلتم وقلتم مثل ذلك يا أصحاب محمد؟ فأجاب دعاءهم وأعطاهم النصرَ والظفرَ والغنيمةَ في الدنيا، والمغفرةَ في الآخرة إذا صاروا إليها. وهكذا يفعل الله مع عباده المخلصين التائبين الصادقين الناصرين لدينه، الثابتين عند لقاء عدوه بوعدِه الحق، وقولِه الصدق. (والله يحب الصابرين) يعني الصابرين على الجهاد]. (تفسير القرطبي 4/231)
جـ- حال النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر.
وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدرٍ يَضْرَعُ إلى الله بالدعاء وقد رأى كثرة عدد المشركين وقلة عدد المسلمين، فكيف كان حاله؟
روى مسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، قال:( لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاثَ مائةٍ وتسعةَ عشرَ رجلاً، فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة، ثم مد يديه، فجعل يهتف بربه: " اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آت ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض "، فما زال يهتف بربه، ماداً يديه مستقبل القبلة، حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه، فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه، وقال: يا نبي الله، كفاك مناشدَتَكَ ربَّكَ، فإنه سيُنجزُ لك ما وعدك، فأنزل الله عز وجل: (إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين)( الأنفال: 9)
فأمده الله بالملائكة.
قال أبو زميل: فحدثني ابن عباس، قال: (بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه، إذ سمع ضربة بالسوطِ فوقه، وصوتُ الفارسِ يقولُ: أَقْدِمْ حيزوم، فنظر إلى المشرك أمامه فَخَرَّ مستلقياً، فنظر إليه فإذا هو قد خَطَمَ أنفَهُ، وشقَّ وجهَهُ، كضربةِ السَّوْطِ، فاخْضَرَّ ذلك أجمعُ، فجاء الأنصاري، فحدث بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "صدقت، ذلك من مدد السماء الثالثة"، فَقَتَلُوا يومئذ سبعين، وأسروا سبعين،...) (مسلم /1763)
وقد قال الله عز وجل بعدما بشر المؤمنين بالملائكة:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ)( الأنفال 15)
د- حال النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق:
ويوم الخندق يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ينقل التراب، وقد وارى التّرابُ بياضَ بطنِه:
( لولا أنت ما اهتدينا، ولا تصدّقنا ولا صلّينا. فأنزل السّكينة علينا، وثبّت الأقدام إن لاقينا. إنّ الأُلَى قد بَغَوا علينا، إذا أرادوا فتنة أَبَيْنَا ) (البخاري- الفتح 6 (2837) وهذا لفظه. ومسلم (1803) .
هـ- الدعاء عند القتال لا يُردُّ.
- وعن سهل بن سعد رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثنتان لا تردان أو قلما تردان؛ الدعاء عند النداء، وعند البأس حين يلحم بعضهم بعضا) (رواه أبو داود/2540، وصححه الألباني.)
- عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أيامه التي لقي فيها العدو انتظر حتى مالت الشمس، ثم قام في الناس فقال: (أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف)، ثم قال: (اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم) متفق عليه.
- وعن أنس رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزى قال: (اللهم أنت عضدي ونصيري بك أحول، وبك أصول وبك أقاتل)( رواه أبو داود /2632)
- وعن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خاف قوما قال: (اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم) [رواه أبو داود/1537، وغيره، وصححه الألباني).
و - تأثير المعاصي.
إن الذنوبَ والإسرافَ في الأمور من أسباب البلاء والخذلان، وإن الطاعةَ والاستقامةَ من أسباب الثباتِ والنصرِ والفلاحِ.
قال تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ)( محمد: 7)
ذكر الله - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة أن المؤمنين، إن نصروا ربهم، نصرهم على أعدائهم، وثبت أقدامهم، أي عصمهم من الفرار والهزيمة.
وقد أوضح هذا المعنى في آيات كثيرة، وبين في بعضها صفاتَ الذين وعدهم بهذا النصر كقوله تعالى: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحج 40)
ولهذا أرشد الله أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم الذين هُزِموا في غزوة أحد بمعصيتهم أمر النبي صلى الله عليه وسلم في النزول من على جبل الرماة، أرشدهم إلى أن يقولوا كما قال أصحاب الأنبياء السابقين:(وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) آل عمران 147
وهذا ما ينبغي أن يكون عليه حال المجاهدين على الجبهات في أن يَرجِعوا إلى أنفسِهم ويتهموها بالتقصير والإسرافِ، فإنما يُؤتى المسلمونَ من قِبَلِ تقصيرِهم.
قال صاحب تفسير المنار رحمه الله:
[ومنها أن الذنوب والإسراف في الأمور من أسباب البلاء والخذلان، وأن الطاعة والثبات والاستقامة من أسباب النصر والفلاح ; ولذلك سألوا الله أن يمحو من نفوسهم أثر كل ذنب وإسراف، وأن يوفقهم إلى دوام الثبات].( تفسير المنار 142/4)
وإذا علم الله من عباده صدقاً هيأ لهم كل أسباب الثبات ومنها إنزال الملائكة تقاتل معهم، قال تعالى:(إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ)( الأنفال 12)
وقد كان القادة يهتمون بدعاء الضعفاء والمساكين وطلبة العلم، فهذا نور الدين محمود زنكي رأى أصحابه منه كثرة إنفاقه على الفقراء والمساكين ولا سيما طلبة العلم، وشدة طلبه الدعاء منهم، فعوتب في ذلك فقال:" والله إني لا أرجو النصر إلا بأولئك، كيف أقطع صلات قوم يقاتلون عني وأنا نائم على فراش بسهام لا تخطئ – يريد الدعوات – وأصرفها إلى من لايقاتل عني إلا إذا رآني بسهام قد تصيب وقد تخطئ " (من كتاب صفقات رابحة 69)
ثانياً- ذكر الله:
إن المسلم ينبغي أن يكون دائم الذكر لله تعالى ليكون دائم الاتصال به، والمجاهد أحوج الناس إلى ذكر الله لأنه يطلب معية ربه في القتال، فمن أقوى ما يثبت المجاهد في المعركة هو شعوره ويقينه بأن الله معه ومؤيده ومدافعٌ عنه.
واستجلاب معية الله تكون بذكره فقد روى البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث القدسي:( يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني،...). (البخاري / 7405 – مسلم / 2675)
ومن كان الله معه فلن يُغلب ولن يُخذَل؛ فالمسلمون يستمدون قوتهم من الله (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ) (هود: 66)
والأعداء يستمدون قوتهم من الشيطان (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) (النساء: 76)
(الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) (النساء: )76
والأعداء لما نسوا الله ونسوا ذكره جعلهم الله من الخاسرين المغلوبين، فقال تعالى: (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (المجادلة: 19)
بينما ذكر في آخر السورة أن حزب الله هم المفلحون.
وليس رفع الصوت بالذكر والتكبير عند المعركة هو المطلوب فقط، بل ينبغي أن يكون المجاهد ذاكراً لله في سره أيضاً ، خاشعاً تائباً متبتلاً مقبلاً على الله معترفاً بذنبه وتقصيره وذلّه بين يدي ربه.
واسمع أخي المجاهد إلى هذه الصفات التي ذكرها ربنا عز وجل بعد العقد الذي أبرمه مع المؤمنين المجاهدين:
(إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ )( التوبة 111-112)
أ- الصوت في المعركة يؤثر في العدوِّ.
إن ذكر الله تعالى في المعركة يؤثر في العدوّ وهو من أسباب الثبات، قال تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (الأنفال45)
وقد ثبت أن التكبير يؤثر في العدوّ ويخيفهم ويردهم على أعقابهم، وذلك باعتراف بعض الجنود من العدوّ
روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( لَصوتُ أبي طلحة في الجيش خيرٌ من ألف رجل) (رواه الحاكم وابن عساكر، صحيح الجامع الصغير ج5/5108)
ورواه أنس أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( لَصوتُ أبي طلحة في الجيش خيرٌ من فئة )( رواه أحمد والحاكم وابن سعد وأبو نعيم والخطيب وابن عساكر، صحيح الجامع الصغير ج2/5082)
فبالله عليكم إذا كان هذا صوته فكيف بزنده وقوته ورمحه وسهمه؟!!
,وقد بوب البخاري في صحيحه في كتاب الجهاد: "باب التكبير عند الحرب", وأخرج فيه بإسناده عن أنس رضي الله عنه قال: (صبَّح النبي صلى الله عليه وسلم خيبر وقد خرجوا بالمساحي على أعناقهم فلما رأوه قالوا هذا محمدٌ، والخميسُ، محمدٌ، والخميسُ، فلجئوا إلى الحصن فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال: ( الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذَرين).(البخاري /3647)
الخميس: يعني الجيش.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: قوله:"باب التكبير عند الحرب" أي جوازه أو مشروعيته.
إلا اذا كان في التكبير إفساد لخطة العمل العسكري عندما يحتاج لهدوء وتسلسل إلى مقرات العدو مثلا فعند ذلك لا يشرع .
وقد قال ابن كثير رحمه الله عند تفسيره لقول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون) :
[هذا تعليم من الله تعالى لعباده المؤمنين آداب اللقاء وطريق الشجاعة عند مواجهة الأعداء..
وعن قتادة في هذه الآية قال: افترض الله ذكره عند أشغلِ ما يكونُ عند الضرب بالسيوف.
وعن عطاء قال: وجب الإنصات وذكر الله عند الزحف ثم تلا هذه الآية، قلت : يجهرون بالذكر ؟ قال : نعم] (تفسير ابن كثير 4/62)
ب - المسلمون سيفتحون القسطنطينية بالتهليل والتكبير.
روى مسلم عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سمعتم بمدينة جانب منها في البر وجانب منها في البحر ؟ قالوا نعم يا رسول الله، قال: لا تقوم الساعة حتى يغزوها سبعون ألفا من بني إسحاق فإذا جاؤوها نزلوا فلم يقاتلوا بسلاح ولم يرموا بسهم قالوا: لا إله إلا الله والله أكبر فيسقط أحد جانبيها, ثم يقولوا الثانية: لا إله إلا الله والله أكبر فيسقط جانبها الآخر ثم يقولوا الثالثة: لا إله إلا الله والله أكبر فيفرج لهم فيدخلوها فيغنموا..)( مسلم /2920)
قال الشيخ صفي الرحمن المباركفوري: (فيفرج لهم) أي فيكشف لهم ويفر العدو.. وهذا الفتح المذكور في هذا الحديث إنما يحصل بهتاف التكبير دون القتال..أ.هـ [منة المنعم في شرح صحيح مسلم 4/365]
فيستحب للمجاهد التكبير وذكر الله في المعارك ورفع الصوت بذلك, لما في ذلك من مقاصد شرعية؛ كتثبيت قلوب المؤمنين, وإرعاب الكافرين والمرتدين, وهذا أمر مجرب معروف, والقصص فيه كثيرة مشهورة, والله أعلم.
أما ما ورد من كراهة رفع الصوت في القتال فالأحاديث في ذلك ضعيفة كحديث
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَمَنُّوا لِقَاءَ الْعَدُوِّ، وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاثْبُتُوا، وَأَكْثِرُوا ذِكْرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنْ صَيَّحُوا وَأَجْلَبُوا، فَعَلَيْكُمْ بِالصَّمْتِ».
أما حديث قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ، قَالَ: «كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكْرَهُونَ الصَّوْتَ عِنْدَ الْقِتَالِ» (رواه أبو داود/2656، فهو صحيح موقوف على قيس بن عباد كما قال الألباني). وقد ضعفه بعضهم لأنه حديث معنعن، وقيس بن عباد ليس صحابياً وحديثه مرسل.
وحتى لو صح شيء من الأحاديث في ذلك فهو في غير الذكر لله تعالى.والله أعلم.