الخميس 16 شوّال 1445 هـ الموافق 25 أبريل 2024 م
ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها
الأربعاء 28 رمضان 1436 هـ الموافق 15 يوليو 2015 م
عدد الزيارات : 10656
عناصر المادة
1-قصة رجل وقصة امرأة.
2-أحوال الناس عند انقضاء رمضان:
3-ربانيون لا رمضانيون:

عناصر الخطبة:

1-  قصة رجل وقصة امرأة.
2-  أحول الناس عند انقضاء رمضان:
     - فائزون.
     - مفرطون وخاسرون.
3-  ربانيون لا رمضانيون.

 

1-قصة رجل وقصة امرأة.

لقد قص علينا القرآن قصتين: قصة رجل وقصة امرأة.

أما الرجل:
فهو رجل من بني اسرائيل، ذاق حلاوة الإيمان، وآتاه الله من آياته، لكنه انقلب على عقبية، اشترى الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة، وانسلخ من آيات الله كما تنسلخ الحية عن ثوبها،
لقد أنزل الله فيه قوله: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)(الأعراف 175-176)

أما المرأة:
فهي امرأة خرقاء من مكة، كانت طوال نهارها تغزل غزلاً، حتى إذا ما أتمت ذلك الثوب وأصبح كاملاً وافياً بين يديها، باتت تنقضه خيطاً خيطاً،قال الله فيها: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)( النحل 92)

إن هذه التحريرات القرآنية التي ذكرها الله في كتابه تنطبق على كل فرد ذاق حلاوة الإيمان في رمضان فحافظ على الواجبات، واجتنب المحرمات، قام الليل، وصام النهار، ودعا الله عزوجل وحافظ على صلاة صلاة الجماعة، يتلو آيات الله في الصباح والمساء، حتى إذا ما انقضى رمضان تراه انسلخ من آيات الله عز وجل ونقض غزله من بعد قوة أنكاثاً،

إن كان رمضان قد ودعنا، فالأعمال الصالحة لا تودع ولا ينبغي ذلك لنا عباد الله، فمن عزم على العودة إلى المعاصي والتقصير والإهمال بعد رمضان فإن الله حي لا يموت،

إن رب رمضان هو رب الشهور كلها، فليعلم هؤلاء أن الله يرضى عمن أطاعه في رمضان وفي غير رمضان، ويغضب عمن عصاه في رمضان وفي غير رمضان، فمدار السعادة في الدارين هو حسن العمل والاستقامة.

 

2-أحوال الناس عند انقضاء رمضان:

أحوال الناس بعد رمضان: فائزون وخاسرون،

فا ليت شعري من هذا الفائز فنهنيه، ومن هذا الخاسر فنعزيه.

حال الفائزين:

رحل رمضان ورحيله مرٌّ على الجميع، الفائزين والخاسرين، الرحيل مرٌّ على الفائزين لأنهم فقدوا أياماً ممتعة وليالٍ جميلة، نهارها صدقة وصيام، وليلها قراءة وقيام، نسيمُها الذكر والدعاء، طِيبُها الدموع والبكاء، شعروا بمرارة الفراق، فأرسلوا العبرات والآهات، كيف لا وهو شهرر الرحمات، وتكفير السيئات، وإقالة العثرات؟!

كيف لا نبكي على رحيله ونحن لا نعلم أمن المقبولين نحن أم من المطرودين، كيف لا نبكي على رحيله ولا ندري أيعود ونحن في الوجود أم في اللحود؟

الفائزون من خشية ربهم مشفقون، (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ)( المؤمنون 60)

خائفون أقبلت أعمالهم أم لا؟ أكانت خالصة لله أم لا؟ أكانت على الوجه الذي ينبغي أم لا؟

بكتِ القلوبُ على وداعك حرقةً

                          كيف العيونُ إذا رحلتَ ستفعلُ

فعساكَ ربي قد قبلت صيامنا

                              وعساكَ كُلَّ قيامنا تتقبل ُ                                                               

إن كانَ هذا العامَ أعطى مهلةً

                         هل يا تُرى في كُلِّ عامٍ يُمهِلُ؟

لا يستوي من كان يعملُ مخلصاً

                           هوَ والذي في شهره لا يعملُ

رمضانُ لا تمضي وفينا غافلٌ

                         ما كان يرجو الله أو يتذلَّلُ                     

رمضانُ لا أدري أعمري ينقضي

                          في قادم الأيامِ أم نتقابل  

 

كان السلف يحملون همَّ قبول العمل أكثر من القيام بالعمل نفسه.

عن ابن مسعود أنه قال: ( من هذا المقبول منا فنهنيه؟ ومن هذا المحروم منا فنعزيه؟ )

أيها المقبول هنيئاً لك، أيها المردود جبر الله مصيبك.

- حال المفرطين:

أما المفرطون فنعوذ بالله من حالهم، فهم نوعان:

- النوع الأول:

أناس قصَّروا فلم يعملوا إلا القليل، نعم صلوا التراويح والقيام سراعاً، فمنهم لم يقوموا إلا القليل، ولم يقرأوا من القرآن إلا القليل،

الصلوات تشكو من تخريقها ونقرها، والصيام يشكو من تجريحه وتضييعه، والقرآن يشكو من هجره، والصدقة تشكو من شح صاحبها، والألسن يابسة عن الذكر والدعاء، فهم في صراع مع الشهوات، ولكن فطرة الخير تجذبهم فتغلبهم تارة، ويغلبونها تارات،

فهؤلاء لم ينتبهوا إلا والحبيب يرحلُ عنهم، فتجرَّعوا مرارة الرحيل،

النوع الثاني:

فهم المحرومون:فهؤلاء لم يقوموا رمضان، وربما لم يصوموه أيضاً، ولم يقرأوا القرآن، فنهارهم ليل، وليلهم ويل، لا الأواخر عرفوها ولا ليلة القدر قدروها، فمتى يصلح حال من لا يصلح في رمضان؟!

مساكين هؤلاء، فاتهم رمضان وفاتهم خير رمضان، رحل رمضان وهو يشهد عليهم لا لهم، هؤلاء قومٌ أبعدهم الله كما أخبر عنهم النبي صلى الله عليه وسلم: ( أتاني جبريل فقال: يا محمد! من أدرك أحد والديه فمات فدخل النار فأبعده الله قل: آمين فقلت: آمين قال: يا محمد من أدرك شهر رمضان فمات فلم يغفر له فأدخل النار فأبعده الله قل: آمين فقلت: آمين قال: ومن ذكرت عنده فلم يصل عليك فمات فدخل النار فأبعده الله قل: آمين فقلت: آمين)( رواه ابن حبان وغيره، وصححه الألباني في صحيح الجامع/75)

ولكن نقول لمثل هؤلاء:

الحمد لله فما زال الباب مفتوحاً، والخيرُ مشروعاً، فعد إلى الله وتب إليه وتدارك ما فاتك، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ..) (التحريم 8)

3-ربانيون لا رمضانيون:

إذا انقضى شهر رمضان فإن عمل المؤمن لا ينقضي قبل الموت، قال تعالى: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)( الحجر 99)

وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (آل عمران 102)

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ( إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ)( مسلم /1631)

- فالصيام لا يزال مشروعاً، ولقد اختار الله أياماً فاضلة في السنة ضاعف فيها الحسنات كذلك،

عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ)( مسلم /1164)

عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثَلَاثٌ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، فَهَذَا صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ، صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ، وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ) (مسلم/1162)

عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهن حتى أموت: (صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى، ونوم على وتر) (البخاري/1178، ومسلم/1981)

عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم) (صحيح الجامع /2959)

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَفْضَلُ الصِّيَامِ، بَعْدَ رَمَضَانَ، شَهْرُ اللهِ الْمُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ، بَعْدَ الْفَرِيضَةِ، صَلَاةُ اللَّيْلِ) (مسلم /1163)

- قيام الليل:

وقيام الليل لم ينته بعد رمضان، فيا من استشعرت حلاوة القيام ولذة مناجاة الملك في الأسحار ويا من استشعرت عظمة الدعاء وأثره: اعلم أن الله يناديك في كل وقت وحين، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعوني، فأستجيب له من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له ) (البخاري/1145، ومسلم/758)

(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة 186)

قال صلى الله عليه وسلم: (أَفْضَلُ الصَّلَاةِ، بَعْدَ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ، الصَّلَاةُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ) (مسلم/1163)

- وإطعام الطعام لم ينته بعد رمضان، قال صلى الله عليه وسلم: (يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل، والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام) (ابن ماجه/3251، وصححه الألباني).

- وباب التزود من النوافل لا زال مفتوحاً مُشْرعاً، قال صلى الله عليه وسلم:( مَنْ ثَابَرَ عَلَى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بَنَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ، أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ) النسائي/1795، وصححه الألباني.

 

وإياك أيها المسلم أن تترك صلاة الجماعة بعد أن حافظت عليها، لا تهجر المساجد وشهود الصلاة مع المسلمين، حافظ على أن يكون قلبك معلق بالمسجد، فمن السبعة الذين يظلهم الله في ظله، ( رجل قلبه معلق بالمساجد

حافظ على صلاة الجماعة فنبيك صلى الله عليه وسلم ما تركها في أحلك الظروف وأقساها، في المعارك والرؤوس تقطع والصيحات تتعالى والوطيس قد حمي ومع ذلك صلى النبي صلاة الخوف بالمسلمين وقال الله له: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ..) (النساء 102)

وتلاوة القرآن والذكر والتوبة وصلة الأرحام وسائر أعمال البر والمعروف ما زالت مشروعة بفضل الله، والله سبحانه بفضله ورحمته ينقلنا من موسم للطاعات إلى موسم آخر، فنحن نتقلب في فضل الله ونعمه.

وأنت يا من صام بطنك عن الحرام وعينك عن الحرام ولسانك عن الحرام، واصل مسيرتك ولا تتراجع، فالله مطلع عليك، والكرام الكاتبين معك يحصون عليك.

وأنت يا من تركت التدخين الساعات الطوال في نهار رمضان، اتدري لماذا قدرت عليه؟

لأنك لم تتركه من أجل الضرر ولا من أجل المال، وإنما لأن الله أمرك بتركه، فاعلم أن الذي أمرك بالصيام عنه في نهار رمضان هو الذي أمرك بتركه في كل أيام العام، واعلم بأنك تستطيع تركه وقد جربت ذلك في رمضان، فليس لك حجة في عدم استطاعة تركه لأن الله لم يكلفك ما لا تطيق، فاتق الله وابتعد عن هذه الآفة التي ستسأل عنها مرتين يوم القيامة، فلا تزول قدما عبد يوم القيامة إلى الجنة أو النار حتى يسأل عن أربع ومنها،( عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه)( الترمذي /2417، وصححه الألباني.)

- إن من علامات قبول الطاعة الطاعةُ بعدها، ومن علامات قبول الحسنة أن تردفها بحسنة أخرى، واعلم أن رب رمضان هو رب الشهور كلها، فكونوا ربانيين لا رمضانيين،

(مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)( الأنعام 160)

 

 

 

 

دور الخطباء في سوريا ؟!
دور فعال ومؤثر (صوتأ 114) 80%
غير فعال (صوتأ 27) 19%
لا أدري (صوتأ 2) 1%
تاريخ البداية : 26 ديسمبر 2013 م عدد الأصوات الكلي : 143