1-معنى الولاء والبراء
2-أهمية عقيدة الولاء والبراء
3-من توالي ومن تعادي؟
4- تحذير الله عباده من اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين
5-لا نصر إلا بتحقيق عقيدة الولاء والبراء
6-استثناءات لا تنقض أصل البراء
7-صورة مشرقة في الولاء للمؤمنين والبراء من المشركين
أثر الولاء والبراء في تحقيق النصر
واستثناءات هامة لاتنقض الأصل.
مقدمة:
آيات عظيمة أنزلها الله لتكون منارات على الطريق، تنير الدرب، وتنقي من الشوائب، وتصنع تلك الصخرة العظيمة التي تتحطم عليها آمال أعداء الله وأعداء المؤمنين، إنها صخرة الولاء والبراء.
الولاء والبراء كما شرعه الله، لا كما يفهمه بعض المسلمين اليوم من استعداء للملل والدول، وفتح جبهات ٍ المسلمون اليوم في غنىً عنها
تنبيه للخطيب:
ينبغي على الخطيب أن لا يأخذ هذه الأدلة ويذكرها هكذا جامدة دون فقه للواقع المعاش اليوم،
فنفس هذه الأدلة يستدل ويتغنى بها أقوام شذوا عن الطريق وأخذوا النصوص بظواهرها وأصدروا أحكام التكفير والردة دون الربط ربطاً صحيحاً بين دلالات النصوص وحركة الواقع،
فخلطٌ رهيبٌ يقع فيه بعض المسلمين اليوم بدعوى الحماس وبدعوى الحب لله ولرسوله دون تحقيق المناطات العامة والخاصة التي لابد منها.
ومن الاستثناءات المذكورة يستطيع الخطيب أن يدخل إلى واقع الناس وبخاصة المجاهدين منهم ليصحح المسار وينير الطريق.
عناصر الخطبة:
1- معنى الولاء والبراء.
2- أهمية عقيدة الولاء والبراء.
3- من توالي ومن تعادي؟
4- تحذير الله عباده من اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين.
5- لا نصر إلا بتحقيق عقيدة الولاء والبراء.
6- استثناءات لا تنقض أصل البراء.
7- صورة مشرقة في الولاء والبراء.
1-معنى الولاء والبراء
الموالاة كما قال ابن منظور في لسان العرب وغيرُه: هي المحبة والنصرة، والمولى: هو المحب والناصر والتابع .
والبراء: هو التباعد والخلاص.
فأصل الولاء هو الحب، وأصل البراء هو البغض.
2-أهمية عقيدة الولاء والبراء
الولاء والبراء أحد قلاع التوحيد التي يجب على كل مسلم أن يفهمها وأن يطبقها في عقيدته وفي معاملاته مع من حوله، وككل مسائل العقيدة تكون لها مساحة واسعة في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم للتأكيد على معانيها وتوضيحها حتى لا يلتبس الأمر على أحد.
وقضية الولاء والبراء شرط في الإيمان:
قال تعالى: ( تَرَىٰ كَثِيراً مّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِى ٱلْعَذَابِ هُمْ خَـٰلِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالْلهِ والنَّبِىّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَـٰكِنَّ كَثِيراً مّنْهُمْ فَـٰسِقُونَ )[المائدة: 80،81]
والولاء والبراء أوثق عرى الإيمان:عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: (( أي عرى الإيمان أوثق؟ ) قال: الله ورسوله أعلم، قال: (الموالاة في الله، والمعاداة في الله، والحب في الله، والبغض في الله) [البيهقي في شعب الإيمان: 9068]
و قال عليه الصلاة والسلام: ( من أحب لله وأبغض لله ، وأعطى لله ومنع لله ، فقد استكمل الإيمان )( أخرجه أبو داود: 4681، وصححه الألباني).
فلا يستقيم دين المرء إلا بالولاء والبراء، بالولاء لله ولرسوله وللمؤمنين، والبراءة من الشرك والمشركين،
قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ) [الممتحنة: 1].
بل لا نبالغ إن قلنا أنه لا يتنزل نصر ولا يجيء فرج دون عقيدة الولاء والبراء، قال رب العالمين: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ) [آل عمران: 149].
بل إن عدم اعتقاد هذه العقيدة قد يوصل صاحبه إلى الكفر والعياذ بالله، قال الله: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ) [آل عمران: 100].
3-من توالي ومن تعادي؟
لمّا كان الولاء والبراء مبنيين على قاعدة الحب والبغض ... فإن الناس في نظر أهل السنة والجماعة – بحسب الحب والبغض والولاء والبراء – ثلاثة أصناف:
الأول: من يُحَبُّ جملة. وهو من آمن بالله ورسوله، وقام بوظائف الإسلام ومبانيه العظام علماً وعملاً واعتقاداً. وأخلص أعماله وأفعاله وأقواله لله، وانقاد لأوامره وانتهى عما نهى الله عنه، وأحب في الله، ووالى في الله وأبغض في الله، وعادى في الله، وقدم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم على قول كل أحد كائناً من كان.(إرشاد الطالب لابن سحمان: ص13)
الثاني: من يُحَبُّ من وجه ويُبْغَضُ من وجه، فهو المسلم الذي خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً، فيحب ويوالى على قدر ما معه من الخير، ويبغض ويعادى على قدر ما معه من الشر ومن لم يتسع قلبه لهذا كان ما يفسد أكثر مما يصلح.. وإذا أردت الدليل على ذلك فهذا عبد الله بن حمار وهو رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - كان يشرب الخمر، فأتي به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلعنه رجل وقال: ما أكثر ما يؤتى به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله ) مع أنه صلى الله عليه وسلم لعن الخمر وشاربها وبائعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه. (الترمذي: 1295، وابن ماجه: 3381، وغيرهما وصححه الألباني).
الثالث: من يُبْغَضُ جملة وهم الكفار والمشركون أعداء الرسل والمؤمنين، حتى ولو كانوا من أقرب الناس، قال تعالى:
( لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )(المجادلة:22).
وقال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ )(التوبة: 23-24).
4- تحذير الله عباده من اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين
وقد جاء ذلك في آيات كثيرة في البيان القرآني يحذر الله أشد التحذير من اتخاذ الكافرين أولياء وأصفياء ومطاعين من دون المؤمنين، قال تعالى:
( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم )[المائدة: 51] .
وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد، وقال تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين )[المائدة: 57] .
وقال تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا )[النساء: 144] . وقال تعالى: ( لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه ) 8/86
وفي سورة الممتحنة : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ )(الممتحنة: 1).
وقوله: ( إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي ) أي: إن كنتم كذلك فلا تتخذوهم أولياء، إن كنتم خرجتم مجاهدين في سبيلي باغين لمرضاتي عنكم فلا توالوا أعدائي وأعداءكم، وقد أخرجوكم من دياركم وأموالكم حنقا عليكم وسخطا لدينكم.
وقوله: ( تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ) أي: تفعلون ذلك وأنا العالم بالسرائر والضمائر والظواهر {ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل) إنه ضلال وأي ضلالٍ أن توالي أعداء الله على شدتهم وتترك أولياء الله على ضعفهم، إن هذا السبيل ليس سبيل الله، بل هو سبيل الضالين الضائعين.
(إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء) أي: لو قدروا عليكم لما اتقوا فيكم من أذى ينالونكم به بالمقال والفعال. (تفسير ابن كثير8/86).
ثم يجعل الله القدوة حاضرة وكأنها بين المؤمنين، في إمام التوحيد إبراهيم عليه السلام:
( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ).
إعذار الله لعباده:
قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) (آل عمران: 118).
قد وضحنا لكم الآيات أيها المؤمنون، فأنا ربكم وأنا أعلم بأعدائكم منكم، فإن كانت لكم عقول فافهموا أمر الله واقبلوه.
أصناف الناس في الموالاة:
- وصنف من الناس وافق الكفار موافقة تامة في الظاهر والباطن، وهذا هو الذي فيه الوعيد في قوله تعالى ﴿ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ﴾[المائدة: 51] وافقهم في الظاهر والباطن.
- وصنف وافقهم في الباطن وخالفهم في الظاهر، وهذا هو نفاق الاعتقاد: يسر الكفر ويظهر الإسلام، وإظهاره للإسلام يعصم دمه وماله
- وصنف وافقهم في الظاهر وخالفهم في الباطن، وهذا لا يكون إلا في حال واحد ألا وهو حال الإكراه كما في قوله تبارك وتعالى - ﴿ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ ﴾النحل: 106
5-لا نصر إلا بتحقيق عقيدة الولاء والبراء
نعم فالخسارة والبوار في طاعة الكافرين، أولئك الذين لم ولن يرضوا يوماً عن المؤمنين حتى يُدخلونهم في دينهم الفاسد، ( وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) (البقرة: 120).
بل ويحسدونهم على دينهم الحق، ولا يريدون لأنفسهم أن يكونوا وحدهم على الباطل بل يريدوا أن يضموا المسلمين إلى الاعتقاد بباطلهم الزائف، ( وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ..) (البقرة: 109).
في ثلاث آيات متتاليات واضحات يبين ربنا جلَّ وعلا أن طاعة الكافرين خسارة وبوار، ثم يبين أن المؤمنين إذا اتخذوا الله ولياً من دون الكافرين فالله ناصرهم، وطريقة نصرهم تكون مما لا يخطر على بال، فقلوب أعدائهم بيد الله وهو قادر على أن يقذف فيها الرعب متى رأى صدق نية المؤمنين ورأى برائتهم من الكافرين،
وإليك الآيات من سور ة آل عمران، قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ * سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ ) (آل عمران: 149- 151).
إن الغرب اليوم يستدرج المسلمين أنه ليس عدوا للإسلام؛ حتى يوصلهم إلى ذلة وردة والله ينهاهم عن طاعتهم ويختصر النتيجة ( يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين ) فبمقدار الولاء للكافرين تكون الذِّلة على المؤمنين.
وينبه سبحانه عباده أنه مولاهم وهو خير ناصر لهم، وعندما يتخذون الله مولىً لهم ويعلمُ اللهُ صدقَهم في ذلك عندها يأتي النصر والمدد على صورة رعب يلقيه الله في قلوب أعدائهم، كيف لا وقلوبهم بين أصبعين من أصابعه سبحانه يقلبها كيف يشاء.
وتأتي الآية التي في سورة المائدة لتؤكد هذا المعنى في أن من يكون ولياً لله ورسوله والمؤمنين يكون غالباً منتصراً عزيزاً، قال تعالى: ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ )[المائدة: 55-56].
6-استثناءات لا تنقض أصل البراء
إن الولاء والبراء لا يعني بحالٍ أن تسيء في تصرفاتك، وأن تظلم، وأن لا تبرَّ وتقسط، وأن لا تعامل غير المسلمين، بل هناك بعض الأصول وبعض الاستثناءات العملية التي لا تنقض أصل الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين، ولا تتناقض مع أصل البراء،
لأن خلطاً رهيباً يقع فيه بعض المسلمين بدعوى الحماس وبدعوى الحب لله ولرسوله دون تحقيق المناطات العامة والخاصة التي لابد منها؛ للربط ربطاً صحيحاً بين دلالات النصوص وحركة الواقع .
فمن هذه الاستثناءات
أولاً: اللين عند عرض الدعوة على الكفار:
الإسلام أوجب على هذه الأمة أن تبلغ الدين إلى أهل الأرض، ومن المعلوم أنك لا تستطيع أن تبلغ الحق إلى أي نفس بشرية إلا إذا اسْتَمَلْتَ هذه النفس، وسبرت أغوارها، وتغللت إلى أعماقها بالحكمة والرحمة الرقيقة الرقراقة والموعظة الحسنة .
هذا أصل في غاية الأهمية؛ لأن كثير من شبابنا يخلط بين مقام الجهاد، ومقام الدعوة فتراه غليظاً عنيفاً في كل المواطن، هذا لا يجوز وليس من الدين في شيء بل مقام الجهاد رجولة وغلظة. قال الله - جلّ وعلا - ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ﴾[التوبة:73]. أما مقام الدعوة اللين والحكمة والرحمة والأدب والتواضع كما بينت الآن في قوله تعالى ﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ﴿43﴾ فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً ﴾. وكما في قوله - جلّ وعلا - ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ [آل عمران:159].
ثانياً: أكل ذبائح أهل الكتاب:
هذا لا ينقض أصل الولاء ولا أصل البراء، قال الله - تبارك وتعالى - ﴿ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ ﴾[المائدة:5].
ثالثاً: الزواج من الكتابيات:
قال تعالى: ﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ﴾[المائدة:5].
رابعاً: البر بهم، والإحسان إليهم،
والإهداء لهم، وقبول الهدايا منهم، وهذا من أخطر الاستثناءات التي ينبغي أن يتنبه لها شباب المسلمين،
بضابط مهم جداً ألا وهو: أن تُظْهِرَ لهم سماحة وعظمة هذا الدين؛ من أجل أن تبلغهم بعد ذلك عن الله وعن رسوله، لابد من هذا الضابط.
خذ الأدلة على كل ما ذكرت من القرآن والسنة، حتى لا يظنن أحد أن الأمر هوى، وحتى يعلم شبابنا أن الحماس وحده لا يكفي، وأن الإخلاص وحده لا يكفي، بل يجب أن يكون الحماس والإخلاص منضبطين بضوابط الشرع؛ حتى لا نضر من حيث نريد النفع، وحتى لا نفسد من حيث نريد الإصلاح.
قال الله - جلّ وعلا - ﴿ لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾[الممتحنة:8].
وترجم الإمام البخاري في صحيحه باباً بعنوان باب قبول هدية المشركين، سبحان الله ألم تعلموا أن الرسول - صلى الله عليه وسلم – قد قبل الشاة من يهودية، قبلها هدية مع أنها كانت مسمومة،
وقد عرضت على النبي - صلى الله عليه وسلم – جبة من الحرير فلما تعجب الناس وأهديت له؛ قال: لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا،
وفى صحيح البخاري أيضاً أن - النبي صلى الله عليه وسلم – أهديت له حُلَّة .
وهذا عمر - رضي الله عنه – رأى رجلاً يبيع حلة يلبسها، فقال عمر، والحديث في البخاري قال عمر للنبي - صلى الله عليه وسلم –:( يا رسول الله ابتع هذه لتلبسها في يوم الجمعة وأثناء الوفود، يعني تقبل الوفود عليك، فقال - النبي صلى الله عليه وسلم – (هذه يلبسها من لا خلاق له في الآخرة ) ثم أهديت إلى - النبي صلى الله عليه وسلم – مجموعة من هذه الحلل، فأهدى - النبي صلى الله عليه وسلم – واحدة منها لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه – فقال يا رسول الله كيف ألبسها، وقد سمعتك تقول فيها ما قلت، قال أنا لم أهدها لك لتلبسها فأهداها عمر بن الخطاب لأخ له في مكة قبل أن يسلم ).
بل يجوز للمسلم أن يعود مرضاهم، إذا أراد أن يبلغهم عن الله أو أن يبين له عظمة هذا الدين، كما زار النبيُّ اليهوديَّ والحديث في صحيح مسلم.
أما الذين قاتلونا وأخرجونا من ديارنا وظاهروا على إخراجنا، هؤلاء نهانا الله عن توليهم، قال تعالى: ( إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) (الممتحنة: 9).
خامساً: ليس مِن موالاة الكفار في شيءٍ اللقاءُ بهم، أو مفاوضتهم، أو التعاون معهم على مصلحة مشتركة فيها خير للمسلمين، فهذه الصور وأشباهُها لا تدخل في موالاة الكفار أصلاً، فضلاً عن جعلها مِن الموالاة المكفّرة، فضلاً عن تكفير المعينين بها مِن أفراد وجماعات.
7-صورة مشرقة في الولاء للمؤمنين والبراء من المشركين
وهو ما كان من عثمان بن مظعون رضي الله تعالى عنه، كان في جوار الوليد بن المغيرة ، فرأى إخوانه المؤمنين يعذبون، فرد عليه جواره، ثم جلس في مجلس كان فيه الشاعر لبيد وكان ينشد شعراً ويقول:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
قال: صدقت، فأكمل البيت وقال:
وكل نعيم لا محالة زائل
قال: كذبت، فغضب لبيد وقال: يا معشر قريش! ما كان يؤذى جليسكم، فقالوا: هذا سفيه في سفهاء معه قد فارقوا ديننا، فغضب عثمان بن مظعون رضي الله عنه وقام، واشتجروا، وأتى ذلك الرجل فضربه على عينه حتى خضرها -يعني: اخضرت من الضربة-، فقال له الوليد بن المغيرة حينئذ: أما والله -يا ابن أخي- لقد كنت في ضعة منيعة يعني: ما حملك على أن تخرج من ذمتي؟ فقال: أما والله إني لفي جوار من هو أعز منك في جوار الله عز وجل،
وأنشد شعراً قال فيه:
فإن تك عيني في رضــا الله مالها يدا مَنْسَبٍ في الدين ليس بمهتدي
فقد عوَّل الرحمن منهــا ســـواده ومن يُرْضِهِ الرحمنُ يــا قــوم يسعــد
فإني وإن قلتم غنيٌ مدللٌ سفيهٌ علــــى ديــــن الرســـــــــــول محمد
أريـد بذاك الحــقَّ والحــقُّ ديننـــا على رغم من يبغي علينــا ويعتـــدي