بمجرد أن يدخل المسلم دائرة الإسلام فقد وجبت له حقوق على المسلمين ولو كان في أقاصي الأرض، وسيُسأل المسلم عن هذه الحقوق إذا كانت واجبة هل أداها لأخيه ام قصَّر فيها، وهذه المسؤولية التي يستشعرها المسلم تجاه أخيه تدفعه لتادية الحقوق على أتم وجه، وبهذا يكون المجتمع مترابطاً إذا اشتكى منه عضوٌ تألم له باقي الأعضاء.
بنى الإسلام المجتمع المسلم المترابط، وشدد عرى الوثائق بين أفراده، فجعل الإسلام أفراد المسلمين جميعا إخوة، قال الله سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10] وقال جل وعلا: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة:71] بل علّق النبي صلى الله عليه وسلم كمال الإيمان على كمال محبتك لأخيك المسلم، قال عليه الصلاة والسلام: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) رواه البخاري/ 13
لذلك كان أول عمل عمله رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هجرته هو مؤاخاته بين المهاجرين والأنصار، وحتى كان هذا العمل قبل بناء المسجد، لأنه لا يمكن أن تقوم للمجتمع قائمة إلا بالتعامل على أساس الأخوة، أما التعامل على غير ذلك من مصالح دنيوية فسرعان ما تنقلب المعاملة بالحسنى إلى أسوأ المعاملات وذلك إذا زالت تلك المصلحة.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (حق المسلم على المسلم ست» قيل: ما هن يا رسول الله؟، قال: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فسمته، وإذا مرض فعده وإذا مات فاتبعه) رواه مسلم / 2162
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ) رواه مسلم / 54
وهذا السلام على من يكون؟
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الإِسْلاَمِ خَيْرٌ؟ قَالَ: (تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ). رواه البخاري / 12 ومسلم / 39
ولا تنس أخي أن يكون السلام مع ابتسامة: عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ لِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ) رواه مسلم/2626
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ صَدَقَةٌ) رواه أحمد /21519 وصححه الألباني في الصحيحة.
عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه، مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ)، قِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا خُرْفَةُ الْجَنَّةِ؟ قَالَ: (جَنَاهَا) رواه مسلم/2568
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَوْ دُعِيتُ إِلَى ذِرَاعٍ أَوْ كُرَاعٍ لَأَجَبْتُ، وَلَوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ ذِرَاعٌ أَوْ كُرَاعٌ لَقَبِلْتُ). رواه البخاري/2568
وحتى بعد الموت لا تنتهي حقوق المسلم على المسلم، فإذا مات تبع جنازته ودعا له وتكلم بمحاسنه، قال صلى الله عليه وسلم: (وإذا مات فاتبعه) رواه مسلم/ 2162
ونصحه يكون في شؤون دينه ودنياه، وفي كل ما ينفعه ويجلب له الخير ويبعد عنه الأذى، قال صلى الله عليه وسلم: (من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل) رواه مسلم / 2199
وفي الحديث: (وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ) متفق عليه
عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه، قَالَ: (بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ) رواه البخاري/57
وعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (الدِّينُ النَّصِيحَةُ) قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: (لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ) رواه مسلم/55
قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ.. ) رواه البخاري / 6951
وفي رواية مسلم : (المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله) مسلم /2564
فإذا رأى المسلمُ مسلماً مظلوماً لا يقدر على تحصيل حقه فواجب عليه نصرته والدفاع عنه وانتزاع حقه من ظالمه ما استطاع إلى ذلك سبيلاً..
بل لو كان ذلك الشخص غير مسلم، كأن كان معاهداً أو ذمياً، فيجب نصرته وتحصيل حقوقه من ظالمه، وإن اعتُديَ عليه فإننا نموت دون نصرته، فما بالك في المسلم الذي حقه أعظم وأوكد؟!
وإذا وقع المسلم في الظلم فمن تمام الأخوة أن نرحمه ونحجزه عن ظلمه حتى لا يتمادى في الإثم والبغي، وحتى لا يسقط في النار من جرَّاء ظلمه، حتى لو أدى ذلك إلى قتاله وإيقافه عن ظلمه، كما في الفئة الباغية إذا رفضت التحاكم إلى الشرع وأصرت على بغيها، فإنه يجب على المسلمين أن يردوها عن ظلمها ولو بقتالها، هكذا أمرنا ربنا وسنَّ لنا نبينا صلى الله عليه وسلم،
{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ..} [الحجرات 9-10]
عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا)، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا، فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ قَالَ: (تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ) متفق عليه
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (.. بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمه، وماله، وعرضه) رواه مسلم / 2564
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ) رواه البخاري/ 10
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}،
عن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة، قالوا: بلى، قال: صلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة). رواه الترمذي/2509، وصححه الألباني
وَرَوَى أَبُو الْقَاسِمِ الْأَصْبَهَانِيُّ فِي "كِتَابِ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ" عن عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لِلْمُسْلِمِ عَلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ ثَلَاثُونَ حَقًّا، لَا بَرَاءَةَ لَهُ مِنْهَا، إلَّا بِالْأَدَاءِ أَوْ الْعَفْوِ: يغفر له ذلته. وَيَرْحَمُ عِتْرَتَهُ. وَيَسْتُرُ عَوْرَتَهُ. وَيُقِيلُ عَثْرَتَهُ. وَيَقْبَلُ مَعْذِرَتَهُ. ويرد غيبته. ويديم نصحته. وَيَحْفَظُ خُلَّتَهُ. وَيَرْعَى ذِمَّتَهُ. وَيَعُودُ مَرَضَهُ. وَيَشْهَدُ مِيتَتَهُ. وَيُشَمِّتُ عَطْسَتَهُ. وَيُرْشِدُ ضَالَّتَهُ. وَيَرُدُّ سَلَامَهُ. وَيُطَيِّبُ كَلَامَهُ. وَيَبَرُّ إنْعَامَهُ. وَيُصَدِّقُ إقْسَامَهُ. وَيَنْصُرُهُ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا. وَيُوَالِيهِ. وَلَا يُعَادِيهِ. وَيُحِبُّ لَهُ مِنْ الْخَيْرِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ، وَيَكْرَهُ لَهُ مِنْ الشَّرِّ مَا يَكْرَهُ لِنَفْسِهِ، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَدَعُ مِنْ حُقُوقِ أَخِيهِ شَيْئًا حَتَّى الْعَطْسَةَ، يَدَعُ تَشْمِيتَهُ عَلَيْهَا، فَيُطَالِبُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقْضَى لَهُ بِهَا عَلَيْهِ). البدر المنير50/9 ، قال ابن الملقن: منكر بهذه السياقة
فالإسلام يسعى إلى أن يصل إلى الحالة التي بينها لنا النبي صلى الله عليه وسلم: عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى). رواه مسلم
وعَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ المُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا) وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ. متفق عليه
الأصل في المسلم السلامة من العيوب، فنعامله بظاهره ولم يكلفنا الله أن نكشف عن قلبه ونهتك ستره،
بل إن النبي صلى الله عليه وسلم حمل أمر المنافقن على الظاهر وعاملهم معاملة المسلم مع علمه بنفاقهم، ولكن ليعلم المسلمين أن هذا منهج المسلم مع من أظهر إسلامه،
قال صلى الله عليه وسلم: (إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس، ولا أشق بطونهم) رواه البخاري /4351 ومسلم /1064
أما إلصاق التهم بالمسلم بمجرد الظنون فهذا ليس من الإسلام في شيء، وكيف لو أدت هذه الظنون إلى إخراج المسلم من الملة، ورميه بالكفر والردة، واستحلال ماله ودمه بغير حقِّ؟!
كتب رجل إلى ابن عمر رضي الله عنهما أن اكتب إلي بالعلم كلِّه. فكتب إليه: "إنَّ العلم كثير، ولكن إن استطعت أن تلقى الله خفيف الظهر من دماء الناس، خميص البطن من أموالهم، كاف اللسان عن أعراضهم، لازما لأمر جماعتهم، فافعل". سير أعلام النبلاء للذهبي 5/216
عن سعيد بن المسيِّب قال : "كتب إليَّ بعض إخواني من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أن ضع أمر أخيك على أحسنه ما لم يأتك ما يغلبُك , ولا تظنن بكلمةٍ خرجت من امرئٍ مسلمٍ شراً وأنت تجدُ لها في الخير محملاً..."
قال ابن قدامة رحمه الله : "فليس لك أن تظن بالمسلم شراً, إلا إذا انكشف أمر لا يحتمل التأويل , فإن أخبرك بذلك عدلٌ فمال قلبك إلى تصديقه ،كنت معذوراً, لأنك لو كذبته كنت قد أسأت الظن بالمخبر, فلا ينبغي أن تحسن الظن بواحد وتسيئه بآخر؛ بل ينبغي أن تبحث هل بينهما عداوة وحسد؟ فتَتَطَرَّق التهمةُ حينئذ بسبب ذلك .
ومتى خطر لك خاطر سوء على مسلم, فينبغي أن تزيد في مراعاته وتدعو له بالخير, فإن ذلك يغيظ الشيطان ويدفعه عنك, فلا يلقي إليك خاطرَ السوء خيفة من اشتغالك بالدعاء والمراعاة .
وإذا تحققت هفوة مسلمٍ فانصحه في السر.
واعلم أن من ثمرات سوء الظن التجسس, فإن القلب لا يقنع بالظن, بل يطلب التحقيق فيشتغل بالتجسس وذلك منهي عنه , لأنه يوصل إلى هتك ستر المسلم , ولو لم ينكشف لك كان صدرك أسلم". مختصر منهاج القاصدين/ 172
تكفير المسلم أمر خطير وزلل عظيم، فلا يجوز للمسلم أن يصف أخاه المسلم بالكفر ولو كان ظاهره الفسق، ويكفي في بيان خطورة ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ومن دعا رجلا بالكفر أو قال عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه). رواه مسلم/ 61
قال صلى الله عليه وسلم: (..ومن قذف مؤمنا بكفر فهو كقتله) رواه البخاري /6047
قال ابن تيمية: "وليس لأحد أن يكفّر أحدًا من المسلمين وان أخطأ وغلط حتى تقام عليه الحجة وتبين له المحجة ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة".
(ومن لعن مؤمنا فهو كقتله) رواه البخاري /6047
وفي سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن العبد إذا لعن شيئًا صعدت اللعنة إلى السماء فتغلق أبواب السماء دونها، ثم تهبط إلى الأرض فتغلق أبوابها دونها، ثم تأخذ يمينا وشمالًا فإذا لم تجد مساغا رجعت إلى الذي لُعِن، فإن كان لذلك أهلاً، وإلا رجعت على قائلها) رواه أبو داود / 4905، وحسنه الألباني
وروى الطبراني بإسناد جيد وصححه الألباني، عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: "كنا إذا رأينا الرجل يلعن أخاه رأينا أن قد أتى بابا من الكبائر".
قتال المسلم حرام ويورد صاحبه المهالك، ولكن ليس كلُّ قتال للمسلم حرام، قال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الأنعام 151] ، وقال: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الفرقان 68]
وقال صلى الله عليه وسلم: (أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها، وصلوا صلاتنا، واستقبلوا قبلتنا، وذبحوا ذبيحتنا، فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم، [إلا بحقها] وحسابهم على الله) رواه البخاري /392
فقوله إلا بالحق وإلا بحقها يبين أن هناك أموراً يُقتلُ فيها المسلم بحق، فقد يرتكب المسلم أموراً يجب فيها قتله بعد حكم القضاء فيه، كما إذا قَتَلَ عمداً أو زنى وكان محصناً، أو ارتد عن الإسلام..
وهناك أمور يرتكبها يجب فيها قتاله حتى يرتدع عن فعله ويكفَّ عن ظلمه، ويرتاح المجتمع من شرِّه كما إذا خرج على المسلمين يرميهم بالكفر والردة ويستحل دماءهم وأموالهم وأعراضهم، ويقطع طريقهم .. قال صلى الله عليه وسلم: (من خرج على أمتي، يضرب برها وفاجرها، ولا يتحاشى من مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهده، فليس مني ولست منه) رواه مسلم /1848
قال تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين} [الحجرات 9]
قال القرطبي: "هذه الآية دليل على وجوب قتال الفئة الباغية المعلوم بغيها على الإمام أو على أحد من المسلمين. وعلى فساد قول من منع من قتال المؤمنين، واحتج بقوله عليه السلام:(قتال المؤمن كفر). ولو كان قتال المؤمن الباغي كفرا لكان الله تعالى قد أمر بالكفر، تعالى الله عن ذلك!"
وقال الطبري: "لو كان الواجب في كل اختلاف يكون بين الفريقين الهرب منه ولزوم المنازل لما أقيم حد ولا أبطل باطل، ولوَجَد أهل النفاق والفجور سبيلا إلى استحلال كل ما حرم الله عليهم من أموال المسلمين وسبي نسائهم وسفك دمائهم، بأن يتحزبوا عليهم، ويكف المسلمون أيديهم عنهم، وذلك مخالف لقوله عليه السلام:(خذوا على أيدي سفهائكم)"
قال القاضي أبو بكر بن العربي: "هذه الآية أصل في قتال المسلمين، والعمدة في حرب المتأولين، وعليها عول الصحابة، وإليها لجأ الأعيان من أهل الملة.." تفسير القرطبي 16/316 وما بعدها