1. الأخلاق والقيم ثمرة عقيدتنا ومبادئنا
2. بين قيمنا وقيمهم
3. قيمنا وأخلاقنا قرين إيماننا
4. تزكية ذواتنا وأفرادنا طريق لتحقيق قيم أمتنا
5. القيم المثلى والهمة العليا
مقدمة:
"ولا تغرقن نخلاً ولا تحرقنها، ولا تعقروا بهيمة، ولا شجرة تثمر، ولا تهدموا بيعة، ولا تقتلوا الولدان ولا الشيوخ، ولا النساء، وستجدون أقواماً حبسوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما حبسوا أنفسهم له" بهذا أوصى أبو بكر الصديق رضي الله عنه أمراء جنده لما بعثهم لفتح الشام؛ نعم هكذا هي القيم العليا في شريعتنا، حتى شهد بذلك العدو قبل الصديق، يقول أحد المستشرقين: "ما عرف التاريخ فاتحاً أعدل ولا أرحم من العرب"
ويقول المستشرق صاحب كتاب (قصة الحضارة): "إن المسلمين كانوا رجالاً أكمل من المسيحيين، فقد كانوا أحفظ للعهد منهم، وأكثر منهم رحمةً للمغلوبين، قلما ارتكبوا في تاريخهم من الوحشية ما ارتكبه المسيحيون عندما استولوا على بيت المقدس عام 1099 م".
1. الأخلاق والقيم ثمرة عقيدتنا ومبادئنا
تعتبر الأخلاق والقيم في كل أمة نموذج تميزها، ورمز حضارتها، وثمرة عقيدتها ومبادئها. وفي ديننا كانت الأخلاق والقيم عنواناً، ومبدأً حاكماً مع العدو قبل الصديق.
لذا صدح بهذه الحقيقة صلى الله عليه وسلم معلناً: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)
وكان صلى الله عليه وسلم هو في نفسه النموذج في ذلك، ترى في شخصه قيم الإسلام العليا، حتى وصفه ربه بقوله {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4].
بل جعلت شريعتنا الشخص المتمثل بهذه القيم العليا والآداب السامية في درجة أعظم من المنقطع للعبادة! ففي الحديث: (إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم) وفي رواية (درجة الصائم القائم الذي يصوم النهار ويقوم الليل)
والعبادات إن لم تنعكس قيماً مثلى لاتغني عن صاحبها شيئاً.
كم سمعنا في كتب التاريخ أن خارطة المسلمين امتدت من تركستان في شمال الصين شرقاً، إلى المحيط الأطلسي غرباً، من جبال فرنسا شمالاً إلى عموم القارة الأفريقية جنوباً.
نقرأ ذلك وتعصتر قلوبنا أسى على حالنا الذي نعيشه، وتشرئب أعناقنا وهي تصبو إلى ذلك العز والمكانة التي امتلكتها أمتنا يوماً ما.
كانت الأمة حينئذ أمةً متميزةً، وإن كنا نطمح أن يعود للأمة الإسلامية سابق عهدها من المجد والحضارة والعزة والمكانة والتميز بين الأمم، فعلينا أن نقتفي أثر السبيل الذي سلكوه، والعمل الذي أتقنوه، والخلق الذي تخلقوا به.
فلم تتسع تلك الرقعة الجغرافية إلا بعد أن ملكت أوراق قوة تميزت بها على غيرها من الأمم، ولن تعود الأمة إلى تميزها على باقي الأمم إلا بذلك.
أما إذا لم نكن كما كان أسلاف هذه الأمة في التميز فلننتظر المآسي التي حذرنا منها رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك ما جاء في الحديث عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها)، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: (بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن)، فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: (حب الدنيا، وكراهية الموت)
فيصف رسول الله صلى الله عليه وسلم حالنا عند تداعي الأمم علينا بأننا غثاء وهو كما قال ابن القيم رحمه الله: "ما يحمله السيل من زبد ووسخ، شبَّههم به لقلة شجاعتهم ودناءة قدرهم".
والغثاء لا يحمل أي مميزات فهو هش خفيف تقذفه المياه الجارية على الضفاف، وهذا الوصف لا يتماشى وشخصية المسلم التي رباها الإسلام ويتبناها.
ولا تتماشى ومميزات أمتنا في سابق عهدها، وهو تحليها بالقيم الأخلاقية العليا، في سِلْمها وحربها، مع الصديق والعدو، مع الأفراد والجماعات والدول.
من أهم القيم التي جاء بها الإسلام: العدل – العفو والتسامح - التراحم – تعزيز روابط الإخوة والتعاون.
فهذا عبد الله بن سلام يشرح كيف لمس تلك القيم في دعوة النبي صلى الله عليه وسلم وكانت سبباً في إسلامه، يقول: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس إليه، وقيل: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت في الناس لأنظر إليه، فما استبنت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، وكان أول شيء تكلم به أن قال: (يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام)
ولما قدم مكة فاتحاً لها الفتح الأعظم، ولقيه من كانوا بالأمس يعذبونه وأصحابَه أسوأ العذاب، ويسخرون منه ومن دعوته، واليوم يقف فيهما منتصراً وهو له خضوع، الجميع ينتظر حكمه فيهم، وهو قادر أن يُنْفِذَ فيهم ما يريد، فصاح بهم: (ما تظنون أني فاعل بكم !؟) قالوا: خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم. فال: (اذهبوا فأنتم الطلقاء) ليسطر بذلك أعظم قيمة من قيم الإسلام، تبقى محفورة في التاريخ، ودرساً عظيماً لأصحابه وللعالم أجمع في بيان عظم هذا الدين بعظمة قيمه العليا.
2. بين قيمنا وقيمهم
والاختبار الأعظم للقيم يكون عند التعامل مع عدوك، من يتربص بك ليفتك بك، هنا إما أن تظهر القيم السامية على نوازع الانتقام والأنانية والوحشية، أو تتغلب نوازع الذات السفلية؛ وإن أردنا أن نتعرف عل تلك القيم في تعامل شريعتنا مع العدو، فلنقرأ ما جعله صلى الله عليه وسلم دستوراً لأصحابه في الحرب إذا غزوا : (اغزوا باسم الله، في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ، ولا تقتلوا وليداً أو امرأة، ولا كبيراً فانياً ولا منعزلاً بصومعة)
وكان ينهى في الحروب عن الإفساد وتخريب المنازل وقطع الشجر وقطع الطرق، فعن معاذ بن أنس الجهني رضي الله عنه قال: غزوت مع رسول الله غزوة كذا وكذا فضيق الناس المنازل وقطعوا الطريق، فبعث نبي الله صلى الله عليه وسلم منادياً ينادي في الناس: (أن من ضيق منزلاً أو قطع طريقاً فلا جهاد له)
وأوصى أبا بكر الصديق رضي الله عنه لما توجه لفتح الشام بقوله : "..ولا تغرقن نخلاً ولا تحرقنها، ولا تعقروا بهيمة، ولا شجرة تثمر، ولا تهدموا بيعة،ولاتقتلوا الولدان ولا الشيوخ، ولا النساء، وستجدون أقواماً حبسوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما حبسوا أنفسهم له"
هكذا هي القيم العليا في شريعتنا، حتى شهد بذلك العدو، يقول أحد المستشرقين: "ما عرف التاريخ فاتحاً أعدل ولا أرحم من العرب" يقصد بالعرب المسلمين.
ويقول المستشرق صاحب كتاب(قصة الحضارة): "إن المسلمين كانوا رجالاً أكمل من المسيحيين، فقد كانوا أحفظ للعهد منهم، وأكثر منهم رحمةً للمغلوبين، قلما ارتكبوا في تاريخهم من الوحشية ما ارتكبه المسيحيون عندما استولوا على بيت المقدس عام 1099 م".
وإن الدموية في الحروب والإبادات الجماعية للشعوب لم تُعرف إلا في هذا العصر الذي يتشدق بالقيم الإنسانية العليا، حيث دمروا البيوت الآمنة، وأبادوا شعوباً وأمماً، عاثوا فساداً في الأرض بانتهاك الأعراض، ونهب الممتلكات، ثم يشدقون بقيم الإنسانية، كعاهرة تتحدث عن الشرف !
فلتتعلم البشرية القيم العليا من شريعتنا وهدي نبينا.
3. قيمنا وأخلاقنا قرين إيماننا
بل إن شريعتنا ربطت القيم والأخلاق العالية بالإيمان، وجعلت انهيار القيم دليلاً على ضعف الإيمان، وفي سورة العصر: {إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} وفي الحديث: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً)
وفي الحج ترتبط شعيرة الحج بحفظ حقوق النا والإحسان في معاملتهم، وصون النفس عن التجاوز في حق الغير في أروع صورة للتدين قال الله عز وجل: {فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197].
4. تزكية ذواتنا وأفرادنا طريق لتحقيق قيم أمتنا
ولقد وضع الإسلام منظومة أخلاق لا نظير لها، فضبط بتلك المنظومة كل أشكال الاحتكاك بين البشر أفرادا وجماعات، وليس للإنسان أن يصل إلى تلك الرتبة وأن ينجح إلا بعد تلقيه دروس التزكية التي قال عنها الباري سبحانه: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 14، 15]. وقال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون: 1-11]. وقال سبحانه: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 1، 10].
5. القيم المثلى والهمة العليا
ولن يصبر على تلقي تلك الدروس الشاقة إلا أصحاب الهمم العالية من المؤمنين، فما كان للصحابي بلال بن رباح رضي الله عنه ليصبر على أذى قريش لولا الهمة العالية التي يحملها بين أضلاعه.
لولا الهمة العالية ما كان للإمام أحمد رحمه الله أن يثبت على ما لاقى يوم فُتن في السجن ليقول بخلق القرآن.
لولا الهمة العالية ما كان للمجاهدين أن يثبتوا أمام شدة القصف والهمجية لدى النظام الغاشم.
لولا الهمة العالية لما كان لثوار سوريا أن يتحملوا آثار الدمار وجوع الحصار وألم الجراح وفقدان الأحبة والخلان...
فما أحوجنا اليوم إلى أن نمزج ما بين الهمة العالية وأخلاق وقيم الإسلام، ما أحوجنا مع الهمة العالية إلى خلقٍ قويم، لنوصل بلدنا وأبناءنا بر الأمان، وننقذهم من الضياع.
ما أحوجنا مع الهمة العالية إلى الخلق في متاجرنا حتى لا نستغل حاجات المحتاجين.
ما أحوجنا مع الهمة العالية إلى الخلق في مساجدنا حتى نحسن دعوة عباد الله إلى التزام تعاليم الدين.
ما أحوجنا مع الهمة العالية إلى الخلق في بيوتاتنا حتى نحسن تنشئة أبنائنا، وننقذهم من النار يوم الدين.
ما أحوجنا مع الهمة العالية إلى الخلق في جهادنا حتى لا نتحول إلى قطاع طريق.
ما أحوجنا مع الهمة العالية إلى الخلق في عملنا السياسي حتى لا نتحول إلى عملاء مرتهنين.
ربما من الجيد أن نعي أنه بالقيم المثلى والهمم العليا نظهر ونظفر، أما إن تخلت واحدة عن الأخرى وابتعدت الهمة عن الخلق، فحينها والعياذ بالله سنذل ونخسر.