1- العزة بالإسلام
2- الثبات على المبادئ
3- العـــدل
4- الاطمئنان والرضا النفسي
مقدمة:
شخصيةٌ متكاملةٌ متوازنةٌ، لا يُحوِجُها غضبٌ فتجور، ولا يجرمنّها شنآنٌ فتحيف.. كذلك رسمها الإسلام، وكذا أرادها الباري سبحانه، تعتز بدينها ومبادئها فتستمد منه كمالها وروعتها.
1- العزة بالإسلام
الإسلام عزيز يستمد عزته من عزة الله، ولكنه أيضا تمر به ظروف وأوقات عصيبة تجعله يخبو في نفوس كثير من المسلمين، وبمجرد أن رأوا أن غير الإسلام يعلو ويظهر في بعض الأمكنة وفي بعض الأزمنة سرعان ما تتبدل أحوالهم وتتغير أخلاقهم ويميلون مع الكفة حيث مالت، وينتهجون منهج الكثير حيث أنهم مع القوي لا مع الحق، أما المسلم الحق الذي نتكلم عنه ونريده أن يكون فهو على خلاف ذلك تماماً، فإنه مع الحق يدور معه حيثما دار، ولا يستحي أن يظهر بالتزامه أمام الناس بل يعتز بدينه ويرفع رأسه شامخاً بشموخ دينه الذي ملأ أركان قلبه، لماذا يستحي المسلم أن يظهر بالتزامه وكثير من غير المسلمين يعتز بدينه الباطل ويفتخر بعاداته وتقاليده البالية؟
من أولى الفريقين بالعزة؟! {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُون} [المنافقون: 8].
هذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما ذهب ليستلم مفاتيح بيت المقدس كان يرتدي ثوبا مرقعاً، فكلمه أبو عبيدة في ذلك وأنه سيقدم على كبار اليهود وحاخاماتهم فلو أصلح من شأنه، فغضب عمر وقال: "لو غيرك قالها يا أبا عبيدة، نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله".
يا لها من كلمات خالدة تنير لنا الطريق في زمن الاغترار والانبهار بالغرب وثقافاته.
تجد كثيرا من المسلمين اليوم وللأسف يقلد غيره من غير المسلمين ويتباهى بذلك، فإن قصروا قصر، وإن طولوا طول، وإن لبسوا لبس وإن خلعوا خلع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخله، فيا سبحان الله! هكذا هي القلوب الفارغة من نهج الإسلام والأفئدة الخاوية من عزته.
أما ربعي بن عامر فعند ذكر اسمه فقط تشعر وأنت متكئ على أريكتك بعزة الإسلام الذي هداك الله له، فكيف لو عشت ما عاشه.
يزيِّن رستم إيوانه لدخول ربعي، ويضفي عليه من مظاهر الأبهة والزينة والبذخ ما يظن به أنه يبهر به ربعي الذي جاء من صحراء قاحلة مقفرة عسى أن يستميل قلبه فتخبو جذوة الاسلام في قلبه، فدخل ربعي بفرسه على البُسُطِ (السجاد) الممتدة أمامه، وعندما دخل بفرسه وجد الوسائد بها ذهب؛ فقطع إحداها، ومرر لجام فرسه فيها وربطه به، ثم أخذ رمحه واتجه صوب رستم وهو يتكئ عليه، والرمح يدب في البُسُط فيقطِّعُها، ووقف أهلُ فارس في صمت، وكذلك رستم، وبينما هم يفكرون في جلوسه جلس على الأرض، ووضع رمحه أمامه يتكئ عليه، وبدأ رستم بالكلام.
رستم: ما دعاك لهذا؟ أي: ما الذي دفعك للجلوس على الأرض؟.
ربعي: إنا لا نستحب أن نجلس على زينتكم.
رستم: ما جاء بكم؟
ربعي: لقد ابتعثنا اللهُ لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، فمن قَبِلَ ذلك منا قبلنا منه، وإن لم يقبل قبلنا منه الجزية، وإن رفض قاتلناه حتى نظفر بالنصر.
رستم: قد تموتون قبل ذلك.
ربعي: وعدنا الله عز وجل أن الجنة لمن مات منا على ذلك، وأن الظفر لمن بقي منا.
رستم: قد سمعت مقالتك (أي فهمت مقصدك)، فهل لك أن تؤجلنا حتى نأخذ الرأي مع قادتنا وأهلنا؟ فهو يطلب منه مهلة يفكر فيها.
ربعي: نعم، أعطيك كم تحب: يومًا أو يومين؟
رستم: لا، ولكن أعطني أكثر؛ إنني أخاطب قومي في المدائن.
ربعي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سنَّ لنا أن لا نمكن آذاننا من الأعداء، وألا نؤخرهم عند اللقاء أكثر من ثلاث، (أي ثلاثة أيام فقط حتى لا يتمكنوا منا ويتداركوا أمرهم)، فإني أعطيك ثلاثة أيام؛ بعدها اختر الإسلام ونرجع عنك، أو الجزية، وإن كنتَ لنصرنا محتاجًا نصرناك، وإن كنتَ عن نصرنا غنيًّا رجعنا عنك، أو المنابذة في اليوم الرابع، وأنا كفيل لك عن قومي أن لا نبدأك بالقتال إلا في اليوم الرابع، إلا إذا بدأتنا، (أي: أنا ضامن لك أن لا يحاربك المسلمون إلا في اليوم الرابع).
رستم: أسيِّدُهم أنت؟ (أي: هل أنت سيد القوم ورئيسهم حتى تضمن لي أن لا يحاربوني؟).
ربعي: لا، بل أنا رجل من الجيش، ولكنَّ أدنانا يجير على أعلانا. (فهو يقصد أن أقل رجل منا إذا قال كلمة، أو وعد وعدًا لا بُدَّ وأن ينفذه أعلانا).
سأحمل دعوة الإسلام وحدي ولو أن العالمين لها أساؤوا
فتلك عقيـــدة مـلأت فــؤادي كما مـلأت شراييني الدماء
إذا كـان الفنــاء سبيـل خلـــد فمرحـى ثم مرحـى يا فناء
هكذا هي النفوس التي ملأ الحقُ قلوبَها، فما اختارت سوى الإسلام منهجاً، واستمدت قوتها من خالقها الذي ارتضى لها ذلك المنهج.
2- الثبات على المبادئ
بعض الناس يأكل من مبدئه، وبعضهم يأكل منه مبدؤه، وشتان بين مشرِّقٍ ومغرِّبِ..
إن الثبات على المبدأ اليوم أمر عزيز يحتاج إلى تعب ومشقة في الحياة، ولكن بذلك الثبات يعيش المرء عزيزاً بين قومه، وإماماً مقدماً في كل شيء، وما ألذ التعب والمشقة إذا كانت في ذات الله ومن أجل دين الله، وعما قليل يذهب التعب وتبقى لذة الأجر وعزة النصر.
عندما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا شبرا، وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم)، قلنا: يا رسول الله، اليهود، والنصارى، قال: (فمن؟).
علم عليه الصلاة وأزكى السلام أن هناك من الأمة من سيخور عودهم وتمتد أعينهم إلى ما متع الله به كثيراً من خلقه من زهرة الحياة الدنيا، تلك الزهرة التي لن تدوم طويلاً وستذبل عما قليل.
لذلك بين صلى الله عليه وسلم أن صنفاً آخرين سيظلون ثابتين لا تهزهم رياح التقدم العاتية، ولا أعاصير الحضارات الزائفة، بل هم ثابتون راسخون، قال صلى الله عليه وسلم: (يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر).
نعم سيؤذى أهل الحق ويكونون غرباء كما يؤذى من يمسك الجمر في يديه..
قال صلى الله عليه وسلم: (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء)
قال لي صاحبي أرك غريباً بيــــن هذا الأنـــــــام دون خليلِ
قلــت بــل الأنام غــريـــبٌ أنــا في عالمي وهـذي سبيلي
يقول مصطفى صادق الرافعي: "ألا ما أشبه الإنسان في الحياة بالسفينة في أمواج هذا البحر.. إن ارتفعت السفينة أو انخفضت أو مالت، فليس ذلك منها وحدها، بل مما حولها، ولن تستطيع هذه السفينة أن تملك من قانون ما حولها شيئاً، ولكن قانونها هي الثبات، والتوازن، والاهتداء إلى قصدها ونجاتها في قانونه.. فلا يعتبن الإنسان على الدنيا وأحكامها، ولكن فليجتهد أن يحكم نفسه".
فالثبات الثبات عباد الله.. فما أعز الثبات.
3- العـــدل
من صفات الله تعالى أنه عادل لا يظلم أحداً، حتى أنه سبحانه من كمال عدله يقتاد للحيوانات العجماوات من بعضها، والمسلم له نصيب من هذه الصفة الجليلة صفة العدل، بدءاً من أقرب الناس إليه، أمه وأبيه وزوجته وأولاده وأقاربه وهكذا حتى يصل لأبعد الناس.
ومن شدة خوف الناس من جزاء الظلم يوم القيامة فإنهم يهربون من أشد الناس قرابة منهم، {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيه * وَأُمِّهِ وَأَبِيه * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيه * لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيه} [عبس: 34-37].
لماذا يفر منهم وهم أحب الناس إليه وهم من عاش من أجلهم وتعب وشقي وبذل لإسعادهم؟!
ذلك لأن كثرة المخالطة مظنة الوقوع في الظلم فيهرب منهم خشية المطالبة، والله أعلم.
لكن أين المفر؟.
بل إن الإسلام صقل شخصية المسلم بأكثر وأبعد من ذلك، فأمره بالعدل حتى مع من يبغضهم من الناس، حتى ولو كانوا أعداءه..
فاسمع كيف ربى القرآنُ المسلمَ وجعل له شخصية متميزة عظيمة: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون} [المائدة: 8].
إنه العدل بأسمى صوره وأجمل معانيه.
4- الاطمئنان والرضا النفسي
الإنسان بدون منهج الله يعيش في تيه وضياع: {وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: 28].
ويعيش في تعب ونصب وضنك: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124].
حتى ولو كان أغنى الناس وأوسعهم رزقا؟ نعم حتى ولو كان كذلك!
لذلك تجد أن أكبر نسبة للانتحار هي عند غير المسلمين، مع أنك تجد أحدهم قد بلغ من الغنى ومن أسباب السعادة التي يظنها الناس أنها أسباب للسعادة، ولكنه الخواء الإيماني، خواء القلب والعقل من تعاليم منهج الله الذي ارتضاه لعباده، من هنا نعلم أن الله ما ارتضى لعباده الإسلام حتى يشقيهم، وإنما ليسعدهم: {طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} [طه: 1-2].
أما المؤمن الذي استنار قلبه بنور الحق، فصار ذلك النور يسعى بين يديه ومن خلفه حتى صار يمشي به في الناس: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا} [الأنعام: 122].
هذا المؤمن لا يضيره الفقر ولا الألم ولا البعد عن كماليات الحياة الدنيا، فتجده راضياً مطمئناً حتى ولو كان من أكثر الناس تعباً وفقراً وحتى لو أحاطت به الكروب والبلايا من كل جانب!!
ذلك لأن قلبه مطمئن بالله، والإسلام صقل شخصيته وأعلمه ما له عند الله، وبين له أن الحياة الدنيا متاع وأنها لعب ولهو وزينة، وأن الآخرة هي الحيوان، والرسول صلى الله عليه وسلم بين له أن غمسة في الجنة تنسي آلام العمر، لذلك تعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمر المؤمن فقال: (عجبا لأمر المؤمن، إن أمر المؤمن كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء فشكر فكان خيرا، وإن أصابته ضراء فصبر، كان خيرا).
هذا غيض من فيض عن السمات التي ميز الله بها المسلم وأراده أن يكون بها، وهو ما ينبغي أن نسعى إليه ونَجهَدَ في سبيله.