1- مقاسمة الهموم
2- جسدٌ واحدٌ
3- أحب الأعمال إلى الله
4- بهذا نقيم مجتمعنا
1- مقاسمة الهموم
لأن الأشعريين (قبيلة أبي موسى الأشعري رضي الله عنه) تخلّوا عن الأنانية الحاقدة والذاتية المقيتة، وبنوا حياتهم على العطاء المستمرِّ استحقّوا شهادةَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بأنه منهم وهم منه.
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو، أو قلّ طعامُ عيالِهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوبٍ واحدٍ ثم اقتسموه بينهم في إناءٍ واحدٍ بالسوية، فهم مني وأنا منهم).
إذا كانت تلكم الحياةُ ببساطتها وخُلُوِّها من التعقيد استَحَقَّ المحسنون فيها تخليدَ ذكرَهمُ الطيِّبَ، فما بالُكم بمن يَمنَحُ ويُعطي لأناسٍ أَرهَقَ أجسادَهم الجوعُ وأقضّ مضاجِعَهمُ الألمُ الممزوجُ بالفقر والأسى!
وبالإضافة إلى كلِّ هذا العَناء يأتيهُمُ الخوفُ مِن كلِّ مكانٍ، يسيطِرُ على رؤوسهم، يزرعُهُ طغاةٌ مجرمون في نفسِ الصغيرِ قبل الكبير، إن هَدَأَتْ براميلُ حِقدهم تحرَّكَتْ صواريخُهم.
لا نتكلمُ عن خيالٍ في خيالٍ، وإنما واقعُ السوريين في بلادٍ أشبَهَتِ الأطلالَ التي كان يقف عليها الشعراء قديما.
بيوتٌ خاويةٌ إلا من ركامٍ قد قَطَنَها أناسٌ لأنهم ما وجدوا أحسنَ منها مأوىً، فاستظلُّوا سماءها وافترشوا أرضَها.
أَنْسَتْهُمُ الحروبُ أبسطَ لذةٍ من لذائذِ الحياةِ، حتى لَعِبُ الأطفالِ أضحى من نفسِ المأساة التي يعيشونها، فيا لهفَ نفسي كم يتمنى أولئك أنْ لو رَزقَهم اللهُ حتى يسدوا حاجةَ مَن هم أسوأُ منهم حالاً، فيُطعموا جائعاً ضامرَ البطنِ، أو يزرعوا ابتسامةَ أملٍ على شفاهٍ جافةٍ أوحَشَها ليلُ الحربِ، أو يُعيدوا لهم لحظةَ أُنسٍ يعيشون بها سعداءَ.
2- جسدٌ واحدٌ
أفرادُ المجتمعِ الإيمانيِّ أعضاءٌ مِن جسدٍ واحدٍ يَتحسَّسُ كلٌّ منهم مشاعرَ الآخرين، وتنبعثُ أحاسيسُهم فيشاركهم أفراحَهم وأحزانَهم، يُسَرُّ لما يَحظون به من فرحٍ وسرورٍ، ويتألم لما ينالُهم مِن ألمٍ وأذى، وما يصيبهم من مرضٍ وما يقعُ بهم من فاقةٍ وفقرٍ وضيقٍ.
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: (مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).
قال الله تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9].
قال ابن كثير: "أي: يقدِّمون المحاويج على حاجة أنفسهم، ويبدؤون بالنَّاس قبلهم في حال احتياجهم إلى ذلك".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أي الصَّدقة أعظم أجرًا؟ قال: (أن تصدَّق وأنت صحيح شحيح، تخشى الفقر وتأمل الغنى، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم، قلتَ: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان).
قال ابن بطَّال: "فيه أنَّ أعمال البرِّ كلَّما صعبت كان أجرها أعظم، لأنَّ الصَّحيح الشَّحيح إذا خشي الفقر، وأمَّل الغنى صعبت عليه النَّفقة، وسوَّل له الشَّيطان طول العمر، وحلول الفقر به، فمَن تصدَّق في هذه الحال، فهو مؤثِرٌ لثواب الله على هوى نفسه، وأمَّا إذا تصدَّق عند خروج نفسه، فيخشى عليه الضِّرار بميراثه والجوار في فعله".
3- أحب الأعمال إلى الله
(أَحَبُّ الناسِ إلى الله أنفعُهم، وأَحَبُّ الأعمالِ إلى الله عز وجل سرورٌ تُدخِلُهُ على مسلمٍ، تَكشِفُ عنه كربةً، أو تَقضي عنه ديناً، أو تَطرُدُ عنه جوعاً، ولأنْ أمشي مع أخي في حاجةٍ أَحَبُّ إليَّ مِنْ أن أعتكفَ في هذا المسجد شهراً - مسجد المدينة- ومَن كظَمَ غيظاً ولو شاء أنْ يُمضيَهُ أمضاه ملأَ اللهُ قلبه رضىً، ومَن مشى مع أخيه في حاجةٍ حتى يَقضيَها له ثَبَّتَ اللهُ قدَمَهُ يومَ تَزِلُّ الأقدامُ، وإنّ سوءَ الخُلُقِ لَيُفسِدُ العملَ كما يُفسِدُ الخَلُّ العسلَ).
الكل يريد أن يكون محبوباً من قبل الله تعالى، ولكن كيف؟
يبين لنا المصطفى صلى الله عليه وسلم بأنك بقدْرِ ما تكونُ نافعاً لعباد الله بقدرِ ما تكونُ محبوباً عند الله تعالى، وإنّ مِن أفضلِ الأعمالِ التي يَرضى عنها ربُّنا سبحانه أنْ تُدخل السرور على قلوب المسلمين، وذلك بأشياء ذكرها لنا المصطفى صلى الله عليه وسلم:
تكشف عنه كربة: كلُّنا يريدُ أنْ يكون آمناً مِن كربِ يومِ القيامةِ التي ذِكرُها يَقطَعُ نِياطَ القلوبِ.
وإذا الجنينُ بأمِّهِ متعلِّقٌ خوفَ الحسابِ وقلبُهُ مذعورُ
هذا بلا ذنبٍ يخافُ لهولِهِ كيف المُصِرُّ على الذنوب دهورُ
فكيف لي ولك أن نتخلص من تلكم الأهوال وهاتيكم المخاوف!؟
بأن نكشف عن إخواننا كربةً من كربِ الدنيا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة).
في الموقف الذي يُذهِلُ الأمَّ عن رضيعها (يُحشرُ الناسُ يومَ القيامةِ حفاةً عراةً غُرْلاً) قالت السيدة عائشة يا رسول الله: النساءُ والرجالُ جميعاً يَنظُرُ بعضُهم إلى بعض!؟ قال يا عائشة: (الأمرُ أشدُّ مِن أن يَنظُرَ بعضُهم إلى بعض).
ففي هذا الموقف الخطير لا يُنجيك بعد رحمة الله إلا أن تكون قدمت رصيداً عند الله تعالى.
تقضي عنه ديناً: المُعسرُ مَن أثقلته الديونُ وعجَزَ عن وفائها، والمطلوب من المسلمين أن ييسروا على هذا المعسر بشيئين:
١- أن يُنظِر الدائنُ مَدينَهُ إلى وقتٍ يَملك به ما يفي دينَهُ، قال تعالى: {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ} [البقرة:280].
٢- أن يبرئ الدائنُ مَدينَهُ من الدين أو يضع عنه جزءاً، وتمامُ الآية السابقة: {وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}.
في الحديث: (من أنظر معسرًا أو وَضع له، أظلَّه اللهُ يومَ القيامةِ تحتَ ظلِّ عرشهِ، يومَ لا ظلَّ إلا ظلُّه).
(كان رجل يداين الناس فكان يقول لفتاه -خادمه- إذا أتيت معسراً فتجاوز عنه لعل الله يتجاوز عنا فلقي الله فتجاوز عنه).
وفي رواية لمسلم: حوسب رجل ممن كان قبلكم فلم يوجد له من الخير شيء إلا أنه يخالط الناس وكان موسراً فكان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المعسر، قال: قال الله عز وجل: نحن أحق بذلك منه تجاوزوا عنه.
تطرُدُ عنه جوعاً: وفي الحديث: (أيما مؤمن أطعم مؤمناً على جوع أطعمه الله يوم القيامة من ثمار الجنة).
4- بهذا نقيم مجتمعنا
المجتمعُ لن يكون سوياً قوياً متماسكاً إلا إذا قام على أساسٍ من التعاون والتضامن والتكافل والشعور بالآخر فيما بين أفراده، لا سيما وقت الشدائد والأزمات.
فثوبُك القديمُ هو جديدٌ عند مَن لايملك مثله، ومدفأتُك القديمةُ المهترئةُ حلمٌ عند مَن هزَّ البردُ كيانهم، وثيابُ أولادِك الذين فرحوا لها هي حلمٌ عند الذين لم يَدخلوا محلاً لشراء لباسٍ جديدٍ منذ أكثر من سبع سنوات.
عن أبي سعيد قال: بينما نحن في سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل على راحلة له فجعل يصرف بصره يمينا وشمالا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له، فذكر من أصناف المال ما ذكر حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل).