الخميس 5 ربيع الأول 1447 هـ الموافق 28 أغسطس 2025 م
بالنَّبيِّ أقتدي
الأربعاء 4 ربيع الأول 1447 هـ الموافق 27 أغسطس 2025 م
عدد الزيارات : 169
بالنَّبيِّ أقتدي
عناصر المادة
1- نورٌ بدَّد الظَّلماء
2- الأُسوة الحسَنة
مقدمة:
لقد كان النّاس قبل الإسلام في جاهليّةٍ جهلاء، وفي ضلالةٍ عمياء، حيث استحكمت في ذلك العصر الغواية، واستشرى الفساد، وعمّ الكفر والإلحاد، وهنٌ في العقائد، وفسادٌ في العادات، وافتتانٌ في اللّذات، وإذلالٌ للنّفوس، وقسوةٌ على الضّعفاء، فالنّاس يعبدون الأصنام، ويأكلون الميتة، ويسيئون الجوار، ويسفكون الدّماء، ويقطعون الطّرقات، ويأكل القويّ الضّعيف، عندئذٍ أراد الله عز وجل أن يهيّئ للإنسانيّة مَن يفكّ إسارها، فطلعت شمس الرّسول صلى الله عليه وسلم، لتُبدّد بأشعّتها عن النّفوس ظلمات القسوة والطّغيان، وبدت لمطلعه مخايل الخير، وملامح البرّ، فأشرق نور الدّعوة إلى التّوحيد، وسُمع صوت الدّاعي إلى الحقّ، كما سُمع صوت إبراهيم عليه السلام مِن قبل، حين أذّن في النّاس بالحجّ، وأراد الله سبحانه أن يمنّ على الخلق بأجلّ منّةٍ وأعظم فضلٍ، فأكرمهم ببعثة خاتم الأنبياء وسيّد المرسلين صلى الله عليه وسلم {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [آل عمران: 164].
والمعروف في التّأريخ أنّه وُلد في مثل هذا الشّهر، شهر ربيعٍ الأوّل، وفي يوم الإثنين منه، وإن اختلف المؤرّخون فيما وراء ذلك، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: "وُلِدَ النَّبِيُّ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ، وَاسْتُنْبِئَ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ". مسند أحمد: 2506
ومع أنّ الله جل جلاله أرسله في تلك البيئة الضّالّة، لكنّه كلأه بالعناية، وحفظه مِن طغيان الجاهليّة، حتّى بلغ أن كان رجلًا، فكان أفضل قومه مروءةً، وأحسنهم خُلقًا، وأبعدهم عن الفحش والبذاءة، لما انطوى عليه مِن حُسن السّريرة، وجمال الخُلق، فكان الرّحمة المهداة، والقدوة لمَن أراد أن يتّبع خطاه.
1- نورٌ بدَّد الظَّلماء
وُلد رسول الله صلى الله عليه وسلم بين قومٍ يمجّدون الأصنام والأوثان، شاع فيهم الجهل، وكانوا أسرى الأوهام والأباطيل، متفرّقين متناحرين، لا تجمعهم صِلةٌ دِينيّةٌ، فكانوا يعيشون في حيرةٍ وعمًى، وكانت الحروب تنشب بينهم سنواتٍ طويلةً، جرّاء سباق حصانٍ، أو خسارةٍ في رهانٍ، أو نحو ذلك مِن الأسباب التّافهة، حتّى ضجّت الأرض ممّا تنوء به مِن شرٍّ وبغيٍ، وفوضى وعدوانٍ، حينئذٍ لطف الله سبحانه بعباده، فكان ميلاد الهادي الحبيب صلى الله عليه وسلم نورًا أضاء الكون كلّه {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [المائدة: 15-16].
جاء لينقذ النّاس مِن الضّلال الّذي خيّم على العقول، فأشرقت أنوار الهداية على العالَم أجمع، فكان كما وصفه ربّه عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} [الأحزاب: 45-46].
وكان أنموذج الجمال والكمال في عيون أصحابه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: "مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَحْسَنَ مِنْ رَسُولِ اللهِ، ‌كَأَنَّ ‌الشَّمْسَ ‌تَجْرِي ‌فِي ‌وَجْهِهِ، وَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَسْرَعَ فِي مَشْيِتِهِ مِنْ رَسُولِ اللهِ، كَأَنَّمَا الْأَرْضُ تُطْوَى لَهُ، إِنَّا لَنُجْهِدُ أَنْفُسَنَا، وَإِنَّهُ لَغَيْرُ مُكْتَرِثٍ". مسند أحمد: 8943
ولقد جعل الله سبحانه رسالته عامّةً للإنس والجنّ، وخاتمةً لجميع الرّسالات، عَنْ عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (إِنِّي عَبْدُ اللهِ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ) فَذَكَرَ مِثْلَهُ، وَزَادَ فِيهِ: "إِنَّ أُمَّ رَسُولِ اللهِ رَأَتْ حِينَ وَضَعَتْهُ نُورًا أَضَاءَتْ مِنْهُ قُصُورُ الشَّامِ". مسند أحمد: 17151
 ولقد كان هذا النّور فيما بعد فتحًا على المسلمين لتلك البلاد، وانتشار الإسلام في الشّام، وفي غيرها مِن أقطار الأرض، حيث استضاءت بنور رسالته، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ الَّتِي فِي الْقُرْآنِ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} [الأحزاب: 45].
قَالَ فِي التَّوْرَاةِ: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا، وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُكَ الْمُتَوَكِّلَ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ، وَلَا سَخَّابٍ بِالْأَسْوَاقِ، ‌وَلَا ‌يَدْفَعُ ‌السَّيِّئَةَ ‌بِالسَّيِّئَةِ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ، وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ، بِأَنْ يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَيَفْتَحَ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا، وَآذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا". صحيح البخاريّ: 4558
فمَن أراد قبَسًا مِن هذا النّور فليسرْ على طريقه، ليستضيء بسِراجه، ويهتدي بهديه.
2- الأُسوة الحسَنة
لقد جمع الله سبحانه شمائل نبيّه صلى الله عليه وسلم كلّها، ولخّص عظمته الخُلقيّة في آيةٍ مِن كتابه، فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4].
ولقد تجلّت هذه العظمة في كلّ ناحيةٍ مِن حياته، في أمانته وصِدق لهجته، وفي صبره وثباته على الحقّ، وجهاده الشّاقّ الطّويل في الدّعوة إلى الله جل جلاله، ولكَم احتمل في سبيل ذلك مِن الأذى البليغ والعدوان الأليم، كما ظهرت عظَمته في زهده وتواضعه، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ فَكَلَّمَهُ، فَجَعَلَ تُرْعَدُ فَرَائِصُهُ، فَقَالَ لَهُ: (هَوِّنْ عَلَيْكَ، ‌فَإنِّي ‌لَسْتُ ‌بِمَلِكٍ، ‌إِنَّمَا ‌أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ). سنن ابن ماجه: 3312
وقال عَلِيٌّ رضي الله عنه في وصف النبيّ صلى الله عليه وسلم: "مَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ قَطُّ عَلَى الإسلام إِلَّا أَعْطَاهُ، وَإِنَّ رَجُلًا أَتَاهُ فَسَأَلَهُ فَأَعْطَاهُ غَنَمًا سَدَّتْ مَا بَيْنَ جَبَلَيْنِ، فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ وَقَالَ: أَسْلِمُوا فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءَ مَنْ لَا يَخْشَى الْفَاقَةَ، وَمَا سُئِلَ شَيْئًا قَطُّ فَقَالَ لَا، وَحُمِلَ إِلَيْهِ تِسْعُونَ أَلْفَ درهمٍ فوضعها على حصيرٍ، ثم قام إِلَيْهَا فَقَسَمَهَا، فَمَا رَدَّ سَائِلًا حَتَّى فَرَغَ منها". إحياء علوم الدّين: 2/379
ومَن نظر إلى حُجرته الّتي كان يسكنها صلى الله عليه وسلم وجدها حجرةً لم تُفرَش بالحرير ولا الدّيباج، ولم يقف على بابها الجنود ولا الحُجّاب، يحملون الأسنّة والحِراب، خوفًا مِن النّاس أو تكبّرًا عليهم، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قالَ: ... ثُمَّ اسْتَقْبَلَ عُمَرُ الْحَدِيثَ يَسُوقُهُ، فَقالَ: ... ثُمَّ رَفَعْتُ بَصَرِي فِي بَيْتِهِ، فَوَاللَّهِ ما رَأَيْتُ فِيهِ شَيْئًا يَرُدُّ الْبَصَرَ، غَيْرَ أَهَبَةٍ ثَلَاثَةٍ، فَقُلْتُ: ادْعُ اللَّهَ فَلْيُوَسِّعْ على أُمَّتِكَ؛ فَإِنَّ فَارِسَ وَالرُّومَ وُسِّعَ عَلَيْهِمْ وَأُعْطُوا الدُّنْيَا، وَهُمْ لَا يَعْبُدُونَ اللَّهَ وَكَانَ مُتَّكِئًا، فَقالَ: (أَوَفِي شَكٍّ أَنْتَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟! أُولَئِكَ ‌قَوْمٌ ‌عُجِّلَتْ ‌لَهُمْ ‌طَيِّبَاتُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا). صحيح البخاريّ: 2468
حجّةٌ قاهرةٌ حقًّا في دُنيا الشّحّ والمطامع، والصّراع على زخرفها، ولقد كان يجلس بين أصحابه مختلطًا بهم، غير متميّزٍ عنهم، ولكن مع هذا التّواضع المنقطع النّظير، كان مثال الوقار والهيبة والجلال، فالسّعادة كلّ السّعادة، في الاقتداء بنبيّ الخير والهداية. 
خاتمةٌ:
 مَن قرأ سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم العطرة، وعرف شمائله الحسنة، وتأمّل أخلاقه العالية، قاده ذلك إلى مزيدٍ مِن الحبّ لحبيب الله ومصطفاه، وتذوّق بهذا الحبّ حلاوة الإيمان، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، ‌وَأَنْ ‌يَكْرَهَ ‌أَنْ ‌يَعُودَ ‌فِي ‌الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّار). صحيح البخاريّ: 16
وإذا ما سكن حبّ الله سبحانه وحبّ رسوله صلى الله عليه وسلم قلب المؤمن نتج عنه صِدق الاتّباع وحُسن الاقتداء {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 31].
وعندئذٍ سيحيي سنّة رسوله الكريم، وسيتخلق بخُلقه القويم، ويدعو النّاس لهذه الأخلاق الفاضلة، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: ‌"سُئِلَتْ ‌عَائِشَةُ ‌عَنْ ‌خُلُقِ ‌رَسُولِ ‌اللهِ، فَقَالَتْ: كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ". مسند أحمد: 25813
فأجمِلْ حينئذٍ بمؤمنٍ تمثّل خُلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان حييًّا كريمًا، صفوحًا رحيمًا، متواضعًا شجاعًا، ليس بجبّارٍ ولا متكبّرٍ، ولا بطعّانٍ أو لعّانٍ، ولا فاحشٍ أو بذيءٍ، فلنحمد الله عز وجل على هذه النّعمة العظمى، ولنفرحْ كما يحبّ مولانا ويرضى {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58].
ولنتّبعْ سنّته ونهجه، ولنتمسّكْ بأخلاقه وآدابه، ولنتّخذهُ قدوةً في حياتنا {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21].
 
1 - مسند أحمد: 2506
2 - مسند أحمد: 8943
3 - مسند أحمد: 17151
4 - صحيح البخاريّ: 4558
5 - سنن ابن ماجه: 3312
6 - إحياء علوم الدّين: 2/379
7 - صحيح البخاريّ: 2468
8 - صحيح البخاريّ: 16
9 - مسند أحمد: 25813
دور الخطباء في سوريا ؟!
دور فعال ومؤثر (صوتأ 125) 81%
غير فعال (صوتأ 27) 18%
لا أدري (صوتأ 2) 1%
تاريخ البداية : 26 ديسمبر 2013 م عدد الأصوات الكلي : 154